دانييلا سعد – الحوارنيوز
” يترنّح العالم اليوم بين أزمة وأخرى، وتظل مقاربته لمواجهة الأزمات المتلاحقة محصورة في دائرة “إطفاء الحرائق” وعاجزة عن معالجة جذور المشاكل التي تواجهنا”.
خلاصة تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حذر فيه “أنه من دون تحقيق تغيير كبير في نمط مواجهة الأزمات فقد نكون متوجهين نحو انتشار أوسع لأوجه الحرمان وغياب العدالة”.
الإصدار الأخير من تقرير التنمية البشرية، والذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ أيام تحت عنوان: “زمن بلا يقين، حياة بلا استقرار: صياغة مستقبلنا في عالم يتحوّل”، يشير الى “طبقات من الغموض وعدم اليقين آخذة في التراكم والتفاعل فيما بينها بما يؤثر سلباً وبدرجة غير مسبوقة على استقرار حياة الناس. إذ كان للعامين الماضيين تأثيراً مدمراً على حياة البلايين من الناس في جميع أنحاء العالم عندما إذ تلاحقت أزمتي جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا الواحدة تلو الأخرى، وتفاعلت مع تحولات اجتماعية واقتصادية هائلة، وتغييرات كوكبية خطيرة، وزيادات هائلة في انتشار الاستقطاب.
وللمرة الأولى منذ شرع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قبل 32 سنة في حساب مؤشر التنمية البشرية الذي يقيس أوضاع الصحة والتعليم ومستويات المعيشة في مختلف البلدان، انخفضت قيمة المؤشر عالمياً خلال سنتين على التوالي، وتراجعت التنمية البشرية إلى المستويات التي بلغتها في عام 2016، مما عكس مسار التقدّم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وشمل هذا التراجُع العالم بأجمعه تقريباً، إذ سجّلت قيمة مؤشر التنمية البشرية تراجعاً في أحد العامين 2020 أو 2021 في أكثر من 90 بالمئة من البلدان، بينما تراجعت في العامين معاً في أكثر من 40 بالمئة من البلدان، مما يشير إلى أن الأزمة ما زالت تتعمّق للعديد من الناس.
وبينما بدأت بعض البلدان تنهض من جديد، يظل التعافي غير متساوٍ ومجتزأً، مما يوسّع أوجه انعدام المساواة في التنمية البشرية. إذ عانت كل من منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، ومنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومنطقة جنوب أسياً من وطأة أشد للأزمات المتلاحقة.
وقال آخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، “يتدافع العالم في استجابته للأزمات التي تحدث واحدة إثر الأخرى. وكما شهدنا في أزمتي الطاقة وارتفاع تكاليف المعيشة فأن الاستسلام لمغريات الحلول السريعة من قبيل دعم أسعار الوقود الأحفوري، من شأنه أن يتيح لتدابير الإغاثة الفورية أن تعطّل تبنينا للتغييرات المنهجية طويلة الأجل التي يتعين علينا انتهاجها دونما تأخير.” وأضاف ” نعاني اليوم من حالة شلل جماعي عن إجراء تلك التغييرات. وفي عالم يسوده عدم اليقين، نحتاج إلى تجديد حس مشترك بالتضامن على المستوى العالمي للتصدي إلى التحديات المشتركة والمترابطة”.
يتحرّى التقرير الأسباب التي تمنع حدوث التغيير المطلوب، ويقترح أن ثمة أسباباً متعددة بما في ذلك الكيفية التي يعزز فيها انعدام الأمن والاستقطاب السياسي بعضهما البعض حالياً، مما يمنع التضامن والعمل الجماعي الذي نحتاجه لمعالجة الأزمات على كافة المستويات. وتُبيِّن الحسابات الجديدة، على سبيل المثال، زيادة في أرجحية تبنى أولئك الذين يشعرون بأكبر قدر من انعدام الأمان وجهات نظر سياسية متطرفة.
وقال آخيم شتاينر، “حتى قبل تحل بنا جائحة كوفيد-19، كنا نشهد مفارقة مزدوجة للتقدّم في ظل انعدام الأمن والاستقطاب السياسي. واليوم، وإذ يشعر ثلث سكان العالم بضغوط متزايدة فيما منيثق أقل ثلث سكان العالم بالآخرين، فإننا نواجه عقبات رئيسية تحول دون تبنّي سياسات تحقق المصلحة للناس والكوكب معاً.” وأضاف، “يهدف هذا التحليل الجديد المثير للتأمل إلى مساعدتنا على تجاوز هذا المأزق ورسم مسار جديد للخروج من حالة عدم اليقين الراهنة على المستوى العالمي. فاليوم تبقى أمامنا نافذة ضيقة لإعادة تهيئة أنظمة عملنا لتأمين مستقبل قائم على عمل مناخي حاسم وتوفير فرص متجددة للجميع”.
وبغية رسم مسار جديد، يوصي التقرير بتنفيذ سياسات تركّز على الاستثمار – في نطاق واسع من المجالات من الطاقة المتجددة إلى رفع مستويات التأهب لمواجهة الأوبئة، والتأمين –بما في ذلك الحماية الاجتماعية– لإعداد مجتمعاتنا لمواجهة تقلبات النجاح والإخفاق في عالم الغد الذي يسوده عدم اليقين. ويقترح التقرير أن الابتكار بأشكاله المتعددة—التكنولوجية، والاقتصادية، والثقافية— بوسعه تعزيز القدرات للاستجابة لأي تحديات قد تنشأ في المستقبل.
وقال بيدرو كونسيساو، مدير مكتب تقارير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمؤلف الرئيسي للتقرير، “لكيلا نفقد مسارنا في ظل ظروف عدم اليقين، نحتاج إلى مضاعفة جهودنا في مجال التنمية البشرية والنظر إلى ما يتجاوز تحسين ثروات الناس أو صحتهم.” وأضاق، “إذ فيما تظل هذه الجوانب مهمة، يتعين علينا أيضاً أن نحمي الكوكب وأن نزوّد الناس بالأدوات التي يحتاجونها ليشعروا بقدر أكبر من الأمان ، وليستعيدوا حسهم بالسيطرة على حياتهم، وليكون لديهم أمل في المستقبل”.