بدأت “الحرب الوجودية” :قرار الكنيست “إعلان حرب” على كل الجغرافيا الفلسطينية(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط – الحوار نيوز
اطاح قرار الكنيست الاسرائيلي الرافض الإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، بكل اتفاقات السلام التي وقعها الفلسطينيون مع اسرائيل منذ اتفاقيه “أوسلو” عام 93 عبر استهداف “مسيّرة سياسية ” لمشروع الدولة الفلسطينية.
الملفت في هذا القرار ،شبه الاجماع الاسرائيلي يمينا ويسارا، متدينين وعلمانيين ، حيث أيّد كل النواب اليهود الى هذا القرار تقريبا (99 نائبا من اصل 120 )ما عدا النواب العرب.
ويأتي هذا القرار في ذروة الحرب العسكرية على غزة والضفة الغربية منذ تسعة اشهر، ويمكن اعتبار هذا التصويت نقطة “تحوّل” في الموقف الإسرائيلي، بإعلان إسرائيل ،شعباًوحكومة ،رفض حل الدولتين واعلان حرب وجودية ضد الدولة الفلسطينية ،مقابل اعلان محور المقاومة،حربا وجودية، ضد اسرائيل بعنوان “زوال الكيان” وانتقلت المعركة من معركة “تبادل الاسرى” الى “المعركة الوجودية”!
نجح نتنياهو بنقل المعركة من الميدان العسكري الذي لم ينته حتى الان، ويبدو انه سيستمر حتى تنفيذ المشروع الإسرائيلي-الاميركي، بمساعدة عربية وتركية، وبدأ يرسم معالم “اليوم التالي” بعد وقف النار في غزة.
فبدل التفاوض على من يحكم غزة:هل هي اسرائيل بحكم عسكري او قوات عربية اسلامية بتكليف دولي او سلطات محلية بالتعاون مع السلطة الفلسطينية او حركه “حماس”،بادر نتنياهو مؤيَداً من كل الإسرائيليين، وهذا ما يوضح ان المعركة في غزة، ليست معركه نتنياهو كما يصوّر البعض، حفظاً لمستقبله السياسي ،وان كان فيه بعض هذا الشيء، لكن الحقيقة ان اسرائيل شعبا وحكومة وجيشا يشنون الحرب على غزة وعلى المستقبل والحلم الفلسطيني بالشراكة الكاملة العسكرية والسياسية مع اميركا ومع دول التطبيع العربية وتركيا!
ان التصويت على قرار عدم الاعتراف بدوله فلسطين، يمهّد سياسياً، للعمليات العسكرية في الضفة وللقرارات الإدارية والسياسية والاقتصادية بتقويض السلطة الفلسطينية وتهميشها وحصارها مع كل ما قدمته للاحتلال من تعاون أمني او غطاء فلسطيني سياسي لمجازره في غزه، بعدما اعلنت مسؤولية “حماس” عما جرى او شراكة حماس والعدو الاسرائيلي في مجازر غزة!
قرار الكنيست، “إعلان حرب” على كل الجغرافيا الفلسطينية ،عسكريا وسياسيا ويعيد الامور الى ما قبل اتفاقات “أوسلو”، ما يجعل المعركة الدائرة في غزه معركة طويلة المدى، وهذا ما لم تفهمه بعض الاطراف ،عندما رفض “نتنياهو” توقيع اي اتفاق لتبادل الاسرى او وقف للنار، وكلما اقترب المفاوضون من التوقيع على بعد كل التنازلات والتعاون الايجابي الذي ابدته “حماس”، اكراهاً او قبولا، كان “نتنياهو” يتهرب من التوقيع ويعمل على تسخيف ورقة الاسرى التي يفاوض الفلسطينيون على اساسها ،وصولا لسلبهم هذه الورقة ،سواء بموت الاسرى او قتلهم او مبادلتهم بثمن بخس ،ينحصر بإطلاق عدد من الاسرى وبعض شاحنات المساعدات، من دون ثمن سياسي او عسكري على مستوى وقف النار.
صحيح ان محور المقاومة يخوض حرب استنزاف ناجحة ضد العدو الإسرائيلي، بما يعرف بالصبر الاستراتيجي الذي اسّسه الرومان، وما يعرف بالاستراتيجية “الفابية” التي تعتمد المعارك الصغيرة المتسلسلة، دون الدخول في المعركة الواسعة، وهذا ما يصيب الاحتلال بخسارة كبيرة ،لكن لابد من لفت الانتباه إلى ان العدو يستفيد ايضا من حرب الاستنزاف هذه ،لتمرير مشروعه الاستراتيجي بإلغاء حل الدولتين او الدولة المستقلة الفلسطينية عبر اعادة تهويد الضفة الغربية والقدس والغاء كل الاتفاقات السياسية السابقة مع الفلسطينيين، من دون ان ينتبه احد لذلك، بسبب تركيز الاعلام والجهد السياسي لوقف الحرب على غزة!
سيوقّع نتنياهو على وقف النار بعد تحقيق اهداف اساسية في غزه عبر التدمير الشامل والارض المحروقة التي تحتاج لسنوات لإعادة اعمارها، وتقويض وتفتيت النسيج الاجتماعي الفلسطيني في غزه واحداث الفتن، وبعد الانتهاء من تمشيط الضفة وتقويض ركائز الدولة الفلسطينية المستقلة، وفي أحسن الحالات اعاده تقسيم الجغرافيا الفلسطينية، لدولتين ،عبر ترحيل الدولة الفلسطينية من الضفة الغربية باتجاه الجنوب وصحراء النقب، وابقاء الجغرافيا اليهودية النقية من الوسط باتجاه ،باتجاه الشمال الفلسطيني!
بدأت المعركة “الوجودية “…وغادر الجميع الحلول المؤقتة، وسنكون امام فترات استراحة لتحشيد القوى ،هدنة هنا وهدنة هناك..وحرب يمكن الا تكون بالاجتياحات الكلاسيكية، بل حرب بقواعد وأساليب جديدة..حرب المسيّرات العسكرية والسياسية!