رأي

ايران من الصبر الاستراتيجي الى الردع الاستراتيجي..فالردع النووي(جواد الهنداوي)

 

صَبرت إيران طويلاً على اعتداءات و استفزازات اسرائيل على كوادرها وعلمائها سواء داخل ايران او في سوريّة ولبنان ، وكان جزاء الصبر هو السعي الحثيث وشبه السّري في بناء و تعزيز قدرات عسكرية استراتيجية ،وفي مقدمة هذه القدرات ، التخصيب النووي ، و الصواريخ الثقيلة و البعيدة المدى و القادرة على حمل رؤوس نوّوية ، ولِمَ لا ، ربما حتى السلاح النووي .

حققّت ايران ،خلال مرحلة الصبر الاستراتيجي ،والتي دامت عقديّن من الزمن أربعة إنجازات استراتيجية :
الإنجاز الأول هو بناء و تعزيز قدراتها العسكرية وفي جميع المجالات . والإنجاز الثاني إضعاف اسرائيل وإخراجها من عصر الانتصارات والسعي للهيمنة إلى ،عصر الهزائم ، ومنذ عام 2000 ،والحفاظ على وجود كيانها ، ومن خلال حركات المقاومة في فلسطين ولبنان .

و الإنجاز الثالث مشاغلة امريكا والغرب بدوامة ملفّات المنطقة واهم تلك الملفات ، الملف النووي وتبعاته ،وملف نفوذ إيران في المنطقة . و الإنجاز الرابع هو علاقات دبلوماسية و إيجابية مع كافة دول المنطقة ،و في مقدمة الدول المملكة العربية السعودية .

نجحت إيران بطمأنة دول الخليج ( ولو نسبياً ) ، لم تنفر إيران من الدول التي طبعّت مع اسرائيل ،وكأن الأمر لايعنيها شريطة ان لا تسمح هذه الدول بأستخدام أراضيها او القواعد العسكرية الأمريكية والغربية المتواجدة على أراضيها للاعتداء عليها .

طمأنت ايران دول المنطقة ، ولكنها في ذات الوقت أقلقت كثيراً اسرائيل . وكلمّا مضت إيران في تعزيز وترسيخ سياسة طمأنة محيطها العربي و مشاركتهم القرارات الاستراتيجية ،كلمّا عزّزت عُزلة اسرائيل و خوفها . وأصبح قلق اسرائيل خوفاً و فزعا ،عندما ايقنت اسرائيل بأنَّ امريكا تستمع سّراً وعبر وسطاء لايران سياسياً اكثر مما تستمع لاسرائيل .

تدعم امريكا اسرائيل بالسلاح وأكثر من السلاح كي تستمر في الحياة ،ولكنها لا تستمع لنتنياهو في الشأن السياسي ،بل غالباً ما يكون جزاءه الزجر و التوبيخ .
صَغُرتْ اسرائيل كثيرا في عيون دول وشعوب العالم ،حتى عند امريكا شعباً و إدارة ، وحالها الآن كحال داعش و تمثل دولة الخلافة النازيّة .

توّرطت اسرائيل في غزّة ، و ورّطت امريكا و الغرب ، ومن نتائج هذه الورطة ، والتي لا تسّرُ اسرائيل ، هو تواصل أمريكي إيراني ،سّري وعبر وسطاء . نقول سّري بالرغم من تناوله من قبل بعض الصحف الأمريكية والبريطانية ( انظر ،بهذا الخصوص ،مقال ل والي نصر ،نشر في مجلة فورن اڤيرس ،بعنوان ” استراتيجية الـ ” لا صبر ” الإيرانية تقيّد اسرائيل ” مترجم بتصرف من قبل منى فرح ومنشور في صحيفة ١٨٠ ،ابو ظبي ، تاريخ 15/5/2024) .

والذي يزعج ، بل يُحبِطْ اسرائيل ، هو ان هذا التواصل أفضى إلى نتائج مُريحة لأمريكا و لايران ،وتمثّلَ في التفاهم والترتيب بين الطرفين ( امريكا و ايران ) بشأن رّدْ إيران العسكري على اسرائيل بتاريخ ٢٠٢٤/٤/١٣ ، وكذلك في ضبط إيقاع المعارك الدائرة والمحتدمة بين المقاومة في جنوب لبنان واسرائبل ، وان لا تتحوّل إلى حرب إقليمية واسعة . تفادي حرب أخرى في المنطقة هو في صالح امريكا ولصالح ايران ؛ لصالح امريكا لأنها تائهة في حربها مع روسيا وساحتها أوكرانيا ،وحرب اقتصادية مع الصين ، كما أنها على عتبة انتخابات رئاسيّة ؛ ولصالح إيران لتمرير رسالة إلى العالم وخاصة لأمريكا بانها حريصة على امن المنطقة و تتفادى اندلاع حرب فيها ، وانها ( أي ايران ) هي التي تتحكم ،من خلال نفوذها ودورها ، في تقرير معركة او حرب او سلام في المنطقة . وإذا كانت امريكا على اعتاب مرحلة انتخابية حاسمة ،فأنَّ ايران هي الأخرى على اعتاب انتقال من مرحلة إلى أخرى ،من مرحلة ردع استراتيجي إلى مرحلة ردع نووي .
اقصدُ توافر الشروط الفنيّة و السياسية كي تمضي إيران في تعزيز قدراتها النوويّة و بسلاسة !
فنياً ، اكثر من تصريح مباشر من قيادات إيرانية ،وفي مقدمتهم السيد كمال خرازي ،رئيس المجلس السياسي الأعلى للشؤون الخارجية ،يدّلُ على امتلاك إيران لقدرات تخصيب نووي ،وان فتوى تحريم امتلاك السلاح النووي غير مُقدسّة ،أي قابلة للنقض ( انظر في هذا الخصوص مقال افتتاحي للسيد عبد الباري عطوان في جريدة راي إليوم الاكترونية ،٢٠٢٤/٥/١٥ ) .
سياسياً ، تشعرُ إيران بالارتياح ،على مايبدو ،من الصمت الأمريكي ازاء الملف النووي الإيراني ،بالرغم من التصريحات الإيرانية المتضمنة احتمالية نقض الفتوى الإيرانية السابقة بتحريم امتلاك السلاح النووي ، وبالرغم من تصريحات مدير الطاقة النووية ،والذي ادلى بها عند مغادرته طهران ،مُعِرباً عدم ارتياحه من التعاون او التعامل الإيراني مع المنظمة .
في مقال آخر ، في جريدة رأي اليوم الألكترونية ، يتساءل كاتبه ” لماذا يتجاهل الغرب القنبلة النووية التي فجرها خرازي ” ، ويقصد التصريح الذي ادلى به السيد خرازي وهو أنّ فتوى تحريم السلاح النووي غير مقدسّة ( المقال للسيد صالح القزويني ،في ٢٠٢٤/٥/١٥ ) .
تركَ الكاتب جواب السؤال للقارئ ، على ما يبدو، وأستطيع ان اجتهد و أقول كجواب ؛ هو ان الصبر الاستراتيجي انتقل من إيران إلى أمريكا ،فأصيبتْ ” بتعب استراتيجي ” !
تعبتْ امريكا حقاً من متابعة ملف دون نتائج ، استسلمت او سلّمت للأمر الواقع ، وهي في ضبابيّة تامة من الموضوع ! ثُمَّ ما عساها ان تقول وتعقّب إذا كان العضو البارز في الكونغرس الأمريكي صرّح اول امس ، وينصح اسرائيل ،باستخدام قنبلة نووية ضّد غزة ،وعلى غرار ما فعلته امريكا في هيروشيما ؟
غزّة كبّلت اسرائيل و امريكا وحشرتهم في زواية أضيق من قطاعها ،وجعلتهم منبوذين شعبياً و دولياً ، وانتصرت ، بل وفتحت آفاق انتصارات سياسية لايران و انتصارات عسكرية لروسيا في أُوكرانيا ، حين وضعت خصومها او أعدائهما في تلك الزاوية الضيقة .

*رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات
و تعزيز القدرات /بروكسل /

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى