ايران بقيادة الاصلاحيين:هل هي فرصة لالتقاط الأنفاس؟(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط – الحوار نيوز
انتهت الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ولدت بعملية قيصرية اكراهية قبل اوانها ،بعد وفاة الرئيس ابراهيم رئيسي بحادث الطائرة، بفوز للتيار الاصلاحي في ايران على التيار المحافظ.
وقبل البدء بتحليل هذه النتائج بالمعطى السياسي الداخلي والخارجي واثرها على المنطقة والعالم في اللحظة التي ينتصر فيها اليمين المتطرف في اوروبا، يخسر المحافظون المتشددون في ايران ويتقدم الاصلاحيون المتفتحون على الغرب، ولا يمكن قراءه هذا الفوز دون لفت الانتباه الى ان مجلس صيانة الدستور وافق على ترشيح المرشح الفائز “مسعود بزشكيان” ،وبالتالي فإن فوزه ضمن دائرة القبول والموافقة من مجلس صيانة الدستور والمرشد الاعلى ولا يمكن تصنيف فوزه على انه خساره للقيادة الإيرانية السياسية والدينية.
شهدت ايران خلال السنوات الأربع الماضية احداثا ،يمكن اعتبارها مفصلية على المستوى العسكري والسياسي والاجتماعي وتركت بصماتها في الداخل الايراني وخارجه والتي بدأت باغتيال الجنرال سليماني بضربة قاسية للمنظومة الدبلوماسية_العسكرية العالمية ،ثم جاءت انتفاضة “نزع الحجاب” في العام 2022 والتي تركت بصماتها ايضا على مستوى التحول الاجتماعي لجهة اللباس بعد اكثر من 40 عاما من انتصار الثورة الإسلامية في ايران واغتيالات المسؤولين في الحرس والعلماء النوويين ،ثم المواجهة العسكرية الإيرانية_الإسرائيلية المباشرة لأول مرة منذ انتصار الثورة ، وكانت اخر الأحداث سقوط طائرة الرئيس الرئيسي ..الرئيس المحافظ والميداني والذي من المرشحين لخلافة السيد الخامنئي، وكل هذه الضربات كانت على رأس التيار المحافظ وبشكل مكثّف وقاس، بالتلازم مع تحميله مسؤولية الوضع الاقتصادي الصعب نتيجة الحصار الأميركي.
استطاع تحالف الاصلاحيين بقيادة رؤساء الجمهورية السابقين وقادة الثورة الخضراء والمجتمع المدني (النسائي خصوصا) من تثبيت حضوره على الساحة السياسية ،وان لم تكن المرة الأولى، لكنها في هذه اللحظة ترمز الى تغيّر في المزاج الشعبي الإيراني، خاصة مع دخول الاجيال الشابة الجديدة دائرة المشاركة في الانتخابات والتي لم تعش ظلم الشاه ولم تشارك في الثورة ولا الحرب العراقية_الإيرانية وتريد ان تعيش وفق المسار العام الهادئ واعادة ترميم العلاقات الإيرانية الدولية والانخراط في حالة السلم الدولي وتنمية ايران الداخلية، مع العلم ان ما حققه المحافظون خلال الاربعين عاما الماضية لا يمكن الاستهانة به على صعيد التنمية والتطوير وتامين الحاجات المعيشية للشعب الايراني والتقدم العلمي والعسكري.
بدأت مؤشرات تقدم الخيار الشعبي والسياسي الايراني الذي يقول بالعودة الى الداخل والتنازل عن الملفات الخارجية ،منذ ان طرح شعار “ايران اولاً” بعد احداث سوريا وانه لابد من فتره التقاط انفاس ،لإعادة ترتيب الوضع الداخلي الايراني بعد 40 عاما من القتال والمواجهة والحصار ،خاصة ان المرشح الفائز “مسعود بزشكيان”يطرح وجوب اعادة ترميم العلاقات مع الغرب وفي مقدمتها اميركا، واعطاء حقوق للمرأة وتحريرها اكثر(مع انها غير محرومة مقارنة بالنساء في دول المنطقة). لكن الملفت والذي ينذر بالخطر تأييده للاعتراف بحقوق القوميات داخل ايران (بزشكيان من أصول تركية وقد قال في البرلمان الإيراني عام 2016…انا ممتن لأن الله جعلني تركيًّا، ولا يحق لأحد أن يسخر من لغة الأتراك وثقافتهم ) واعطائها مزيداً من الحقوق ،وهذا ما ينذر بدغدغة البعض داخل ايران بعنوان الفيدرالية الموسّعة واللامركزية التي على المستوى الثقافي والديني وربما الاقتصادي!
سيكون لانتخاب المرشح الاصلاحي ، أثره على الاوضاع في المنطقة، ولكن ليس بشكل متسارع او سريع مع وجود المرشد الاعلى الضابط للإيقاع السياسي وبطبيعة الحال وجود الحرس الذي لا يقوم بمهمة عسكرية فقط وانما له مهامه السياسية والاقتصادية والثقافية .
والسؤال.. هل استوعبت القيادة الإيرانية، بشخص وحكمة المرشد الأعلى ،الانفعال والإحتجاج الشعبي وسمحت بترشيح “بزشكيان” لالتقاط الانفاس والمحافظة على الهدوء في الداخل ومنع الصدام بين التيارين المحافظ والاصلاحي في لحظة مفصلية على مستوى المنطقة والاقليم بعد الحرب على جبهات غزة ولبنان واليمن… ام ان الاصلاحيين استطاعوا توحيد صفوفهم مقابل تشتت المحافظين مما اعطاهم الفوز ؟
لن تتغير السياسة الإيرانية الخارجية، بشكل كبير وتحتاج الاستدارة الإيرانية الى وقت غير قليل، خاصة وان شخصيه المرشح الفائز هي شخصية دينية وسياسية ملتزمة ،شاركت في الحرب العراقية_الإيرانية، وبالتالي تطرح انفتاحها على الغرب دون الخوف من التشكيك بها بالمعطى العقائدي والسياسي…!