بقلم د. نسيم الخوري- خاص الحوار نيوز
سفير عربي جمعتنا المدينة الجامعيّة في باريس طلاّباً منذ أربعين . التقيته أمس ونحن متقاعدون في لندن.
قال: ” انظر وتابع…نحن على ابواب تدمير العالم نوويا ولم نتقدم كعرب في الأمم والعالم خطوة واحدة. قضيت عمري هناك، أوراق ومؤتمرات وأسفار وقاعات مبرّدة، فنادق وسهرات، ولائم، لجان صياغة وتوصيات وبيانات ختامية وتقارير ووشاة ومعارف دولية ورواتب عالية. عمر قضيناه كمن يعلك الماء. لا يثق العالم بنا”.
لماذا لا يثقون بنا.. قلت ؟
لم أسمع جواباً مقنعاً في حياتي الدبلوماسية .(كرّرها بالإنكليزية). قضايا تستأهل التفكير الذي يحول دون تنفيذ القرارات الدولية المتعلّقة بالعرب والعالم؟
ولماذا تُفرّغ الأمم المتحدة من رسالتها الأولى وميثاقها في قضايانا ومخاطر العالم، وكأن البشر نسوا كليا الحربين العالميتين؟
هل أنّ الأداء العام لزعماء الدول المرضى بالسلطة هو السبب، أم أنّ المؤسسات الدولية قد افرغت من وظائفها وتاريخ تأسيسها المجبولة بالدمار والآلام؟
ذكّرته بقول “ستيفان دو ميتسورا” مفاده أنه في ما خص العرب فإن أيّ عربي سيجد صعوبة في التحدث عن قضايا العرب والعالم ، وحتى التهديدات النووية اليوم تتجاوز الجنون بلا روادع، وإلاّ فإنّه سيوصم بالخيانة ويقرّعونه زملاؤه في بلاد العرب وفي الأمم المتحدة بأصوات عالية وصراخ، ولهذا هناك مشكلة عريقة في ايجاد دبلوماسيين يتمتعون بالثقافة الموضوعية. تصور ان لبنان على ضآلته منقسم بين ٨ و١٤ في ما يتعلق بكوارث اوكرانيا روسيا.
أطرح هنا أسئلة قديمة متجددة مع أنّ مناخات العولمة طمست أو هزّلت من لا يزال يدوّن لائحة الفروقات بين الشرق والغرب، لكن الجواب الواقف أمامي هو : سواء وثق العرب بأنفسهم أو بغيرهم فتدميرهم سيبقى يمشي أمامهم.
قال : ما يغيظني أن أرى أشجار الزيتون تنتصب منذ سنوات وبرك المياه والنوافير أمام مبانى الأمم المتحدة في لبنان وعواصم العرب والعالم كأنّ الزيتونة موضة العصر وليست رمزا للسلام العالمي.
قلت: سأروي لك حكايتها في عالم ينشد السلام ويقيم في مواقد روسيا واوكرانيا ومواقد العالم النووية التي تهدد بمحو الحياة البشرية:
تعود فكرة الزيتون ياصديقي الى جدّنا اللبناني فارس الخوري مندوب سوريا في مؤتمر سان فرانسيسكو (حزيران 1945) الذي اقترح بتطويق رسم الكرة الأرضيّة في علم الأمم المتّحدة بغصنين من الزيتون رمزاً معبّراً للسلام بين الشعوب بعد الحربين العالميتين. استلهم الرجل فكرته راويا من طفولته المدموغة بالفلاحة والزيتون في قرية الكفير مسقط رأسنا في لحف جبل حرمون.
أغطّ مقالتي هذه بزيت الكفير والسلام البشري متابعاً أوطاننا وساحاتنا وكوكبنا المطوّق بالتفجير والتخريب الكوني.
لقد أكلتنا الأزمنة من كثرة الحروب والخرائط المستوردة في مشاريع الخرائب المتنقّلة من بلدٍ عربي إلى آخر، كان أوّلها العراق وها اليد تمتد نحو الخليج ! تلك الصور والإعتداءات تقصف البشرية والإقتصاد والحضارة. لم يعد هناك من معنى دسمٍ للقول إنّ الأمم المتحدة ستقف الى جانبكم عرباً وشعوبا وتعمل لأجلكم لاستعادة سياداتكم وبناء مؤسساتكم والحفاظ على عواصمكم وبلادكم والعالم. إنّ الوحشية في القتل والتدمير ودك المدن والعواصم وتعاظم الأموال المتدفّقة تحت عنوان النزوح من العراق امس الى اوكرانيا اليوم ،دمغة عار فوق ما يعرف بتقدم البشرية ومؤسساتها الدولية التي افرغت من اسسها.
عندما سئل الرئيس فارس الخوري عن الذكرى التي لاينساها في حياته، قال:
” من الذكريات التي لا أنساها… في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي لم نُدع اليه في بادىء الأمر، وبذلنا جهوداً جبّارة لذلك ونجحنا… قمت بجهد المستميت لتحقيق غرضين، الأول هو تدوين عضويتنا الرسمية في المؤتمر، والثاني إدخال نص في الميثاق بأنّ الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة هم دول مستقلّة استقلالاً تاماً ناجزاً ولا يجوز إخضاعها لأي نظام من أنظمة الوصاية والقهر والاستعباد. وعندما جلست بدوري لأوقّع على ميثاق الأمم المتّحدة أسوة برؤساء وفود الدول الخمسين الذين اشتركوا بوضع هذا الميثاق وتوقيعه، كانت أجمل لحظة في حياتي السياسية لأنّه بنتيجة هذا التوقيع بدأنا التخلّص من الإنتداب….ومن غرائب الإتفاق أنّ قرار الأمم المتحدة بوضع نظام خاص بمجلس الأمن والمحافظة على السلام العالمي(25 تشرين الأول 1945) كان هو اليوم نفسه والساعة نفسها التي وضعت فيها وفود الدول العربية في مؤتمر”سان استيفانو” في القاهرة مبادىء ميثاق جامعة الدول العربية… قلت يومها عند التوقيع:
“أرجو أن تكون قوّة الحق في هذه المنظمة الدولية أقوى من حق القوة”، واستشهدت بعبارة لأبي بكر الصدّيق حينما وُلّي الخلافة أنه قال: “سيكون قويّكم ضعيفاً عندي حتى آخذ الحق منه، ويكون ضعيفكم قويّاً حتى آخذ الحق له”.
زر الذهاب إلى الأعلى