كتب أكرم بزي
الفوز الكاسح للرئيس بشار الأسد في الانتخابات الأخيرة، يعتبر هزيمة أخرى مدوية توازي دوي صواريخ غزة التي سقطت على تل أبيب بمفاعيلها السياسية والمعنوية لدى العدو الصهيوني وحلفائه من الأقربين والأبعدين.
قد يقول قائل أن النتيجة كانت محسومة، بما أن الرئيس الأسد ما زال على رأس السلطة وبإمكانه تنظيم الانتخابات والإتيان بالنتائج التي يريدها، ولكن ما ظهر من إقبال جماهيري في معظم المناطق المحررة السورية ونسبة المشاركة في التصويت التي بلغت 78.6 في المئة (منحته 95.1% أي 13 مليونا وأكثر من 540 ألف صوت من أصل 18 مليون سوري يحق لهم الاقتراع)، ومشاركة كل الفئات العمرية من سن 18 وما فوق، والاحتفالات الشعبية التي عمت معظم ساحات المحافظات بشكل غير مسبوق حتى ساعات الصباح، أكد أن الشعب السوري كان يثأر لـ 11 سنة حرباً حرمته متعة الحياة ودمرت ما دمرت من بشر وحجر. جاءت بمثابة إعلان نصر نهائي على أعداء سوريا، لأنه لم يكن المقصود تفتيت سوريا من خلال “الثورة المزعومة” فحسب بل تفتيت وتقسيم المقسّم في المنطقة.
ولأن الكثير ممن راهنوا على سقوط الأسد خلال الحرب السورية، أصيبوا بالخيبة بعد اعلان النتائج لتؤكد أن الأسد بقي وهم رحلوا، وأن بقاءه جاء نتيجة تمسك الشعب السوري به أولا وبدعم حلفائه ثانيا، وليس العكس، والمخيّب لآمالهم أيضا هو تزامن انتصار غزة على الكيان الصهيوني مع فوز الأسد، لتحدث تطوراً دراماتيكياً على مستوى القيادات السياسية الصهيونية والغربية على حد سواء.
مصادفة الانتصارين في غزة وسوريا، ليست زمنية ترتبط بالمكان والزمان فحسب، بل بمفاعيلهما الإيجابية على محور الممانعة، وهي تؤكد بأن قوس صعود الإنتصار بدأ بانتصار عام 2000 في لبنان مروراً بحرب تموز الـ 2006 وصولاُ إلى غزة 2021، وصمود وانتصار الشعب السوري بانتخابه الرئيس بشار الأسد وتأكيد شرعيته وزعامته التاريخية والتي كرسته رئيساً لولاية رابعة تمتد إلى سبع سنوات أي حتى العام 2028.
هذه الانتصارات المتتالية، بعثت وتبعث برسائل إلى كل من حاول النيل منهم وهم يشكلون الجبهة المقابلة ،والتي تمتد من واشنطن إلى الكيان الصهيوني مروراً بالاتحاد الأوروبي وحلفائه، وأولى هذه الرسائل أن المحور بات أقوى بفعل التصاق الشعوب الموالية له وثقتها بقادته التي أثبتت التجارب الماضية أنهم ثابتون ويتمتعون برؤية قل ما أخطأت وحساباتهم كانت مربحة وصحيحة.
وثانيها الانتصارات المتتالية والتي ذكرناها أعلاه بالإضافة الى قوته العسكرية والتي باتت أقوى. وثالثها إيمان هذه الشعوب بأن خياراتها ورهاناتها كانت صحيحة بالرغم من محاولات الحصار والتجويع والقتل. فالمحور المعادي لم يعدم وسيلة إلا واستعملها بما فيها “مسرحيات الهجوم الكيميائي” في دوما وخان شيخون وغيرها من المناطق، والتي أثبتت التحقيقات العالمية والإعلامية بأنها لعبة من ألعاب المخابرات البريطانية والأميركية قامت بها “منظمة الخوذ البيضاء” سرعان ما انكشفت بالوثائق والأدلة، ناهيك عن كل أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة التي استعملت في حرب سوريا وحرب 2006 في لبنان.
والرسالة الرابعة أن المحور بات متماسكاً أكثر من ذي قبل، وبأن أي معركة قادمة على أي جبهة، سيكون الرد من قبل المحور مجتمعاً كل بحسب امكاناته وبحسب الدور المنوط به، إن كان سياسياً أو عسكرياً أو إعلامياً وغيره…
والخامسة ما أكدته خطابات النصر من قيادات المقاومة في غزة وقيادات الممانعة من التنسيق والإدارة، جعل الكيان الصهيوني والقيادة الأميركية يعيدان حساباتهم مرة تلو الأخرى، وهذا يعني أن ما كان قبل حرب غزة الأخيرة لم يعد كما كان من قبل، فتوحد القيادات ضمن غرفة عمليات واحدة لادارة المعارك المقبلة بات جاهزاُ.
سادسها أن سوريا بقيادة الأسد والرسائل التي بعثها عبر الوفد الفلسطيني المشترك الى حركة حماس، يعني أن سوريا في حالة الاستقرار، وبعد حلحلة الوضع الاقتصادي سيكون بمقدورها أن تساهم أكثر في “تشبيك” قوى المقاومة مع بعضها البعض وتوسيع قواعدها اللوجستية، بحيث لا تقتصر على أرض غزة والجنوب اللبناني، بل والعاصمة دمشق بما تمثله من قاعدة تاريخية لرفد العمل الثوري والمقاوم في المنطقة.
كثيرة هي الدلالات، والأيام المقبلة كفيلة بتظهير معظمها وخاصة بعد عودة الحركة الدبلوماسية الى سوريا، والاتصالات العربية والغربية مع القيادة السورية تحت الطاولة وفوقها لاعادة العلاقات على كافة الأصعدة.
آن الأوان للذين راهنوا على سقوط سوريا أن يروا بأعينهم وأن يلمسوا بأيديهم، بأنه لا يمكن الرهان على الأعداء من الصهاينة والأميركيين والأوروبيين والمتعاملين معهم، وأثبتت التجارب أن الرهان عليهم يعني زيادة الدعم للصهاينة، والهزيمة لهم ولشعوبهم. فهذه هي حقيقة التاريخ والجغرافيا، وهذه ما شهدت به الأعوام الماضية، فالمشاريع الصهيونية من ترحيل المسيحيين إبان الحرب الأهلية اللبنانية، الى توطين الفلسطينيين الى إعادة تشكيل الديموغرافيا اللبنانية من خلال النازحين السوريين واستعمالهم وقودا للفتن، ما هي الا تأكيد للخبث الغربي والصهيوني للقضاء على أمتنا واستغلال ثرواتها وإحكام السيطرة عليها واستعبادها… عودوا إلى رشدكم رحمة بأبنائكم والأجيال .
زر الذهاب إلى الأعلى