كتب واصف عواضة – مجلس النواب – خاص “الحوارنيوز”:
بعد 800 يوم من الشغور الرئاسي ،وفي الجلسة الرابعة عشرة، صار للبنان رئيس ،وهو رابع عسكري قائد للجيش يرأس الدولة اللبنانية على التوالي، والخامس في تاريخ الجمهورية .
كانت جلسة الانتخاب اليوم لبنانية – “كونية” بامتياز ،شارك فيها ال 128 نائبا بالتمام والكمال، لدرجة ان الرئيس نبيه بري طلب في بداية الجلسة (ممازحا) قراءة اسماء النوب “المش متغيبين”،فقيل له “لا أحد”.
الا أن الحضور المميز كان للتمثيل الخارجي ،فشارك نحو مائة سفير وممثل دبلوماسي غصت بهم القاعة العليا للبرلمان. كان هناك الاميركي والفرنسي والروسي والصيني والبريطاني والسعودي والمصري والقطري والايراني والتركي ..ومعظم أمم الارض.
وفي الخارج غطى الحدث مئات الصحافيين والمصورين ووسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية المحلية والخارجية ،ولم تتسع قاعة المجلس لأكثر من عشرين صحافيا حضروا الجلسة.أما الأمن فكان مبالغا به خارج ودخل المجلس الذي سُدّت حوله كل الطرق ،ولم يخرق الحواجز سوى المُرخَّص لهم بذلك .إلا أن المهم أنه لم يُسجَّل أيُ حادث مخل بالأمن.
افسح الرئيس بري المجال للنواب في بداية الجلسة ،ل “الكلام بالنظام” ،فأطنبوا في الحديث عن الدستور وأحكامه والتدخلات الخارجية.
في الدستور ركز المتكلمون بالنظام على أن انتخاب قائد الجيش مخالف للدستور،وأن المادة 49 واضحة تمام الوضوح،وأن “تمريرة” الرئيس ميشال سليمان عام 2008 كسابقة لا تجعلها نصا دستوريا،وأنه لا يجوز للرئيس حامي الدستور أن يُنتخب بمخالفة دستورية. لكن نوابا آخرين برروا هذا الإنتخاب بأن البلاد لا تتحمل الفراغ المؤسساتي أكثر من ذلك ،وأن الضرورات تبيح المحظورات ،وأن الخيار بين الإلتزام بالدستور وإنقاذ البلد لا يحتمل المفاضلة.
أما المداخلات التي تخطت الدستور، فشنت هجوما عنيفا على التدخلات الأجنبية، أميركية وأوروبية وعربية ،بما يفرض تعيين رئيس للجمهورية وليس انتخابه ديموقراطيا.لم يحرك السفراء ساكنا . ظلت السفيرة الأميركية التي كانت تتلقى الترجمة عبر جهاز خاص كغيرها من الأجانب،غير عابئة بالانتقادات ،مشغولة بهاتفها المحمول.
لكن اللافت في المداخلات ،كانت المشادة بين النائبين بولا يعقوبيان وسليم عون ،والتي تخللتها كلمات نابية من وزن “منحط ومنحطة ” و”فشرت وفشرتي ” و”يا عيب الشوم”،وشارك فيها النائب فراس حمدان ،ودخلت على الخط عبارة “سد بوزك” وغيرها من العبارات التي يصعب تردادها. وحاول الرئيس بري بمطرقته تهدئة الموقف وشطب العبارات النابية من المحضر دون جدوى ،ثم أرسل نائبه الياس أبو صعب الذي اصطحب سليم عون إلى خارج القاعة وعاد به مقفلا باب الجدل.
وبدأ التصويت ..وزعت الأوراق على النواب. نبّه الرئيس بري إلى ضرورة الإلتزام فقط باسم المرشح وعائلته فقط وإلا اعتبرت الورقة لاغية ،على مثال : “نبيه بري” فقط،أما “نبيه مصطفى بري” فتعتبر لاغية.
سألت بولا يعقوبيان: “جوزف عون بالألف أم بالياء؟”..رد بري: “بتدوّري على الشر دوارة”..
انتهى التصويت وبدأت عمليات الفرز . فوجئ البعض بالنتيجة. كان المتوقع أن يفوز العماد جوزف عون من الدورة الأولى التي تتطلب 86 صوتا .جاءت النتيجة على النحو الآتي:
جوزف عون 71 صوتا
ورقة بيضاء 37
سيادة الدستور 14
شبلي ملاط صوتان
ملغاة 4
أعلن الرئيس بري النتيجة ورفع الجلسة في الثانية عشرة والربع، إلى الساعة الثانية ،وسط مطالبة البعض بدورة ثانية فورا. لكن ما كتب كان قد كتب.وبدأت المشاورات البعيدة عن الأضواء ،وشارك فيها السفير السعودي والسفيرة الأميركية وغيرهما من أعضاء اللجنة الخماسية ،والوسطاء من النواب .
إستئناف الجلسة
في الثانية والربع إستؤنفت الجلسة وسط الكثير من الحذر في الوسط الإعلامي والدبلوماسي البعيد عن الأجواء.لكن الحذر زال أو يكاد عندما دخلت عقيلة قائد الجيش السيدة نعمت عون وأولادها إلى القاعة العليا،فتيقن الحضور أن الأمور”ماشية”.
حاول البعض من النواب الدخول مجددا في لعبة “الكلام بالنظام” ،ملمحا إلى إمكانية الطعن بالانتخابات أمام المجلس الدستوري. وهنا “بقّ” الرئيس بري البحصة قائلا: يا زملاء .. التصويت بالثلثين (86 نائبا) يحول دون الطعن في المجلس الدستوري ،لأن الطعن يتطلب عندئذ الثلث زائدا واحدا (43 نائبا).
وبدأ الإقتراع الثاني والفرز ونال العماد عون 99 صوتا ،أي بزيادة 28 صوتا عن الدورة الأولى وهي أصوات كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة (حركة أمل وحزب الله).كانت الرسالة واضحة : “لا رئيس من دون أصوات النواب الشيعة.لا رئيس إلا “بالتوافق والرضا والتراضي”.
قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد بعد الجلسة: “كنا حماة للسيادة الوطنية ،وكنا اليوم حماة للوفاق الوطني “.
وحده النائب اللواء جميل السيد خالف الإجماع الشيعي وصوت بورقة بيضاء إقتناعا منه بأن ما جرى هو عملية تصديق على رئاسة العماد عون ،مؤكدا أن أحدا لا يلزمه بالتصويت خارج قناعاته.
وقال اللواء السيد للحوارنيوز مبررا موقفه:كان يمكن للعماد عون أن يكسب شرعية شعبية وسياسية واسعة من خلال الإصرار على انجاز الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب قبل عملية الانتخاب،ولا بأس لو تأجلت جلسة الانتخاب لبعض الوقت.
وعندما قيل له “ربما يكون الانسحاب قد رُبِط من الجهات الخارجية بانتخابه” قال:هذا ما حصل ..ولكن كان في إمكاننا أن نفعل العكس ونفرض الإنسحاب ،وفي هذا كرامة لنا.
صفق الحضور طويلا لانتخاب الرئيس عون،وبدت السعادة على محيا السفيرة الأميركية ليزا جونسون التي تقبلت التهاني من زملائها ،فيما كانت قاعة المجلس تنتظر وصول “فخامة الرئيس” لتأدية القسم وإلقاء خطاب الرئاسة.
في هذه الأثناء طرح النائب وضاح الصادق على رئيس المجلس تكريم النائب ملحم خلف الذي رابط في مجلس النواب طوال فترة الفراغ الرئاسي ،فرد بري بظرفه العهود:أريد أن أطالبه بالإيجار والخلوّ على مكوثه في المجلس..
وطلب نائب آخر فك الحصار الأمني عن ساحة النجمة والمفروض منذ فترة طويلة،فرد بري : إن شا الله..
حضر الرئيس عون وسط تصفيق جامع من الحضور.أدى اليمين ثم ألقى خطاب القسم الذي قدم فيه الكثير من التعهدات،قال البعض أنه غالى بها في ظل الواقع اللبناني،وقال البعض الآخر: “حيثما ينجح سيكون له أجران ،وحيثما يُخفق سيكون له أجر واحد ،حسبه أنه حاول ذلك”.
ملاحظة: وقائع الجلسة كاملة منشورة في الوكالة الوطنية للإعلام