د. كولشان يوسف صغلام
إنتهت الانتخابات التركية في جولتها الأولى ، ويتحضر الأتراك لأول مرة بتاريخ الجمهورية التركية إلى جولة ثانية في معركة رئاسية دقيقة وحاسمة. ولقد حصد تحالف الجمهور 267 مقعدا نيابيا ونال أردوغان نسبة49.51 % من الأصوات وهي نسبة لم تخوله الوصول إلى سدة الرئاسة، لكنها أكدت على تجربة ديمقراطية فريدة وصلت فيها نسبة المقترعين إلى ما يقارب اى90% قد تكون الأعلى عالميا، وتم اعتماد نظام “دونت جيفيرسون” الذي يكرس مبادئ الشفافية والنزاهة والدقة.ويمكننا القول بأن تركيا الخارجة من زلزال مدمر هي من فازت في الجولة الأولى، حيث أثبتت بأنها دولة قادرة وقوية بمؤسساتها لتدير مثل هذه الانتخابات وتؤمن كل الترتيبات اللوجستية وتضبط الأمن وتؤمن النقل المجاني العام للفئات الأكثر هشاشة ككبار السن وذوي الاعاقة والنازحين من جراء الزلزال…
لماذا كل هذا الترقب لانتخابات تركيا؟ ولماذا استخدام الازمة الاقتصادية التركية ودعم انقسام الشارع التركي لمعسكرين؟ مع العلم انها أزمة عالمية؟
لا شك ان تركيا تمثل بديلا كنموذج جديد في العالم الإسلامي، كما شهدت ديناميات مختلفة في الداخل التركي، حيث التحالفات لم يسبق لها مثيل.
قراءة في التكتيكات:
أولاً: في أداء الطاولة السداسية؟
1-إن تحالف الطاولة السداسية لم يصب في تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي، وهذا كان محط خلاف الطاولة وسبب بانسحاب رئيسة حزب الاجداد إلى أن تعرضت لضغط خارجي فاضطرت للعودة، وهذا التحالف قد يخسره أصوات جمهور أغان سنان، كما هذا الامر اثار غضب الكثير من الاتراك وقلقهم خاصة الذين يعتبرونه أحد أذرع حزب العمال الكردستاني الذي كان السبب في حادثة تفجير تقسيم، كما تم تسريب أنه سيساعد الأكراد في إقامة حكم ذاتي وسيخرج صلاح دميرطاش من السجن.
ادخال حزب السعادة المتدين على طاولة جمهورها من القوميين افقده الكثير من الأصوات. التصريح الأخطر الذي أكد فيه كليتشدار أوغلو تواصله مع قيادات كردية ومع قيادات مع غولان سرعان ما عاد ونفى ذلك واتهم روسيا بتلفيق هذه التصريحات. فئة كبيرة اعتبرت أنه لا ينفع أن يكون رجل دولة وهو يهاجم دولة حليفة لتركيا ،و يوجه إهانات لفظية للرئيس بوتن شخصياً، كل هذه كانت تصريحات متسرعة.
أيضاً السماح بالتدخلات الخارجية، تصريحات بايدن وإثارة الطائفية وهذا خط أحمر بالنسبة للأتراك.
دعم كليتشدار اوغلو لقضية المثليين والمتحولين جنسياً وهذا خطير بالنسبة لشعب محافظ.
الهجوم على شركة بيرقدار للصناعات الثقيلة، حيث وعدت المعارضة ببيعها في حال فوزها.
2-أين أصاب تحالف الطاولة السداسية؟
لا شك أنه من إيجابيات هذا التحالف هو المقدرة على انشاء معارضة حقيقية في تركيا تضم أكبر تكتل في تاريخ تركيا، أيضاً التنوع ما بين علمانيين ومحافظين واكراد استطاعوا في وقت قصير أن يؤثروا على نبض الشارع لا سيما الشباب، كما تمكنوا من اللعب على الأزمة الاقتصادية وملف اللاجئين وموضوع الخطر على الدولة المدنية العلمانية و إعادة النظام الرئاسي البرلماني من جديد. اعتماد الخطاب المشترك وليس الفردي مثل ما هو الحال مع الرئيس أردوغان.
ثانياً: التكتيكات الإيجابية لتحالف الجمهور:
لا شك ان حزب العدالة والتنمية اكتسب خبرة طويلة على مدار 20 عاما، وهو متمكّن من إدارة الانتخابات، كما استفاد من أخطائه السابقة، ويبدو أنه قام بمراجعة داخلية مكنته من خوض المعركة بتكتيكات جديدة تحاكي نبض الشارع التركي. من هذه التكتيكات ترشيح 16 وزيرا من بينهم شخصيات بارزة ونجحت في حقائبها الوزارية، مثل فؤاد اقطاي ومولود تشاوش اغلو و سليمان سويلو وغيرهم، للانتخابات البرلمانية، وهذه تعتبر خطوة لتأليف حكومة جديدة من جيل جديد و من غير الشخصيات و الوجوه القديمة، وقد تكون ولادة جديدة لتركيا تشبه حكومة 2002.
في الترويج الانتخابي اعتمد على عدة نقاط مهمة: الإضاءة على الإنجازات التي حققها والوعود التي وفى بها خاصة في موضوع الغاز الذي سيكون للأتراك نسبة من استخراجه، عدم التسرع بالتصريحات واعلان النتائج قبل تصريحات الهيئة العليا للانتخابات.
ختاماً الشعب التركي قال كلمته في الجولة الأولى وبانتظار الجولة الثانية في 28 أيار. وفي السيناريو المتوقع ،سينان أغان هو بيضة القبان، حيث اصواته تمثل 5% والفرق بين المرشحين هو أيضاً 5%، لذلك إذا جيّر أصوات جمهوره للمعارضة يمكن أن يرجح الكفة، وقد يكون ذلك مستبعدا كون لديه مشكلة مع “الجماعات الإرهابية”، حيث وجود حزب الشعوب الدمقراطي قد يكون عائقا له، أيضا هناك تغيير في مزاج الناخب التركي بعد تقييم أداء المعارضة والتصريحات التي قامت بها. بالاضافة، يجدر القول أنه 2% من الأصوات ذهبت لصالح أردوغان. لننتظر قرار الشعب التركي في الجولة الثانية…