
كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز
لم أصدق ،وكثيرون غيري،ما جرى في البيت الأبيض أمس من جدال عنيف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه جيمس ديفيد فانس من جهة، والرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي من جهة أخرى.
كانت واقعة ساخرة غير مسبوقة في تاريخ أميركا،بل هي نموذج عن تقريع أميركا لحلفائها في المجالس المغلقة ،لكن ترامب أرادها على الهواء مباشرة أمام نظر العالم أجمع وسمعه،حتى خِلتُ للحظات أن الرئيس الأميركي سيصفع الرئيس الأوكراني أو يلطمه ب”قفا يده”،لكي تكتمل فصول المشهد الساخر.وفي النهاية أنهى اللقاء والجدال وطرده من البيت الأبيض.
لقد رأينا من قبل نوابا في أرقى برلمانات العالم يتصارعون ويشتمون بعضهم البعض ويتضاربون أحيانا بالأيدي والأرجل ،لكننا لم نر ما حصل في البيت الأبيض في محافل ومجالس رئاسية في العلن. ولا شك أن فلاديمير بوتين إنتشى أمام هذا المشهد الغريب على التقاليد السياسية والأصول البروتوكولية،وهو الرئيس الذي يبدو في مجالسه في قمة الرزانة والإحترام.ولقد قدم له البيت الأبيض خدمة جليلة أمام شعبه الروسي لن ينساه طيلة حياته.
لكن- والشهادة لله – بدا زيلينسكي رجلا شجاعا و”لا كالرجال” الذين اعتدنا رؤيتهم في البيت البيضاوي ،بل لعله قرر كتابة نهايته والإنتحار ،على أن يتنازل عن “كرامته وكرامة بلده” أمام “الوحش الأميركي” الذي استدعاه ليتقاسم معه خيرات بلده من المعادن ،لقاء الدعم الذي قدمه أسلاف ترامب الديمقراطيون لأوكرانيا لمواجهة الروس.
كان زيلينسكي يجسد صورة رجل يقف عند مفترق طرق، حيث لا طريق للعودة ولا خيار له في ما ينتظره. كان المشهد انعكاسًا لمأزق رجل حمل على عاتقه مصير بلاده، لكنه وجد نفسه محاصرًا بين مطرقة المصالح الدولية وسندان واقع سياسي داخلي معقد.
لقد حاول زيلينسكي أن يكون ذلك الزعيم القادر على إعادة التوازن إلى أوكرانيا، بعيدًا عن نفوذ النخب الحاكمة وصراعات القوى العظمى. لكنه سرعان ما أدرك أن لعبة السياسة الدولية أكثر تعقيدًا مما تصور. جاء إلى واشنطن طالبًا الدعم، لكنه وجد نفسه في قلب عاصفة، حيث كانت ورقة المساعدات الأميركية مرتبطة بمصالح سياسية ضيقة، بعضها لم يكن لأوكرانيا فيه ناقة ولا جمل.
وفي لحظة ما، بدا وكأن زيلينسكي يخوض معركة لا يمكنه الانتصار فيها. فإن وافق على الشروط الأميركية، يخسر مصداقيته أمام شعبه، وإن رفض يخاطر بخسارة الدعم الذي تحتاجه أوكرانيا لمواجهة التحديات التي تحيط بها. كان موقفه أشبه برجل يدرك أن كل خطوة إلى الأمام تعني سقوطًا محتملاً.
كان رجلا شجاعا ،لكنه كان وحيدًا. وأحيانا تتحول الشجاعة إلى عبء ثقيل.فالحسابات السياسية قد تجعل أقوى الرجال يشعرون بأنهم يسيرون نحو مصير محتوم. وفي النهاية، ليس السؤال ما إذا كان زيلينسكي رجلًا شجاعًا، بل ما إذا كانت شجاعته قد تحولت إلى انتحار سياسي في لحظة الحقيقة.
كثيرون قبل زيلينسكي خذلتهم الولايات المتحدة الأميركية ،ومع ذلك ليس من يأخذ العبرة من هذا التخلي والخذلان في لحظة المصلحة الأميركية التي تبقى فوق كل اعتبار ..فهل من يتعظ؟
ولأن هذه الواقعة التاريخية سوف تتناقلها الأجيال نعيد عرضها في هذه المقالة بالصوت والصورة مترجمة إلى اللغة العربية: