سياسةمحليات لبنانية

اليوم العشاء الاخير في وداع الليسيه عبد القادر: ها هو يهوذا وقد قبض ثلاثين من الفضة

يا للهول! ها قد دقت ساعة الرحيل في درب الجلجلة المجهول المعلوم! … هل يدرون ما هم فاعلون؟
انها هي "الجريمة النكراء"… كلمتان من الاقبح والابشع في اللغة فعلا وإسما .. وصفا ونعتا !
بحسرة ومرارة وغصة خانقة، يتساءل الأهالي والأساتذة، الطلاب والجيران، يا الهي ماذا فعلنا؟ وهل قصرنا؟ بعدما باءت كل محاولاتهم مع بعض المخلصين الشجعان والاعلام الى فشل مخز !
انه الشعور الفظيع بالعجز مجبولا بالوجع .. تراه في عيون الأمهات أرجوانيا مخضبا بالسواد .. وفي عيون الآباء الجاحظة ذهولا يحكي هول الفجيعة!
صنع التلاميذ مع الاساتذة مجسما حجريا صغيرا للقصر ووضعوه للذكرى في بيوتهم من شدة القهر والإلم… ها هم يلتقطون بدموعهم وعدساتهم صورا تذكارية كثيرة في الحفلة الاخيرة قبل العطلة الصيفية الاخيرة … وقبل ان يساقوا مكسورين الى مخيم التهجير الأول والمصير المجهول، حيث بدأت تظهر أسباب العذاب ألوانا لستر جدران خرسانية صماء، وسياجا يسجن سطح مبنى بشع سيسمى ملعبا للهو الاطفال … متنفسا للمخيم!
غدا ستهوي كرة حديدية ضخمة على "الشاتو" الوديع الجميل و114 عاما من التاريخ والذكريات الجميلة … فهل سنشهد تصفية قلعة عمرها أكثر من مئة عام … أو تحتلها مستوطنة جديدة ل"ستاربكس" ومول بشع آخر سيخنق ما تبقى من تجار مار الياس ويقفل محلاتهم عن بكرة ابيهم كما يقال …
صفعة جديدة مؤلمة جدا لأهالي بيروت … دراماتيكي هذا الذي جرى ويجري وسيجري … اذهبوا يا اهالي بيروت ويا طلاب متخرجين ويا اساتذة ويا جيران الى مدرستكم .. اذهبوا التقطوا صورا أخيرة لذكرياتكم ودموعكم .. فطعم المرارة سيبقى مؤبدا …
غدا سيذكر التاريخ الاسم الثلاثي للبائع والشاري والوسيط .. وكذلك اسم كل مسؤول أو متمول كان بيده أن يفعل شيئا ليبقى هذا الصرح الوطني التربوي والتراثي التاريخي راسخا في هذه الارض … في بيروت ولم يفعل!..
سيذكر التاريخ كل من كان سببا في اغتصاب مدرسة وسرقة قصر تراثي آخر على حين غرة .. في لحظة وهن وهوان عز فيها الرجال الرجال!
لا يا ايها السادة ما هكذا تورد الإبل …
ستذكر كتب تاريخ بيروت أم الشرائع كيف سلب صرح تربوي تاريخي آخر من العاصمة وكيف اغتصبت فسحة عزيزة أخرى من بيروت لطالما روت أرضها أحرف فولتير وروسو والمتنبي والمعري … أرض سقيت بالكتب وضحكات الاطفال البريئة ودموع الامهات وحكايات شيقة لمئات الآف المراهقين طوال قرن!
يا للفجيعة يا بيروت! نزحت الليسيه عبد القادر من أرضها، وصارت لاجئة في مخيم!
*الليسيه عبد القادر(1909 – 2019)

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى