كتب د. ميلاد السبعلي – الحوارنيوز
مع نهاية الحرب في لبنان وغزة، سيواجه لبنان والمنطقة واقعًا معقدًا يمتلئ بالتحديات والمصالح المتضاربة. هناك عدة عوامل ستحدد شكل المرحلة المقبلة، بدءًا من سياسات الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، وصولاً إلى نتائج الانتخابات الأمريكية التي قد تأتي بإدارة جديدة ذات توجهات مختلفة.
- نتنياهو وإطالة أمد الحرب لدعم ترامب
يسعى نتنياهو لإطالة الحرب حتى الانتخابات الأمريكية القادمة، على أمل أن تدعم عودة صديقه ترامب موقفه العسكري والسياسي. لكن استمرار الحرب فترة طويلة قد يلقي بظلاله على إسرائيل نفسها؛ فالتبعات الاقتصادية والاجتماعية للحرب ستزيد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية. ورغم العناد الذي يظهره نتنياهو، قد تضطره هذه الضغوط إلى البحث عن حلول وسطى مع اقتراب الانتخابات، خصوصًا إذا تعذر تحقيق نصر حاسم في الميدان.
- التأثيرات السلبية لإطالة الحرب على إسرائيل
– الاقتصاد الإسرائيلي يعاني بالفعل من التوقف الجزئي في الأنشطة الاقتصادية في المناطق الشمالية، إلى جانب الزيادة الهائلة في نفقات الحرب التي تشكل ضغطًا على الموازنة العامة، مما يدفع بعض رؤوس الأموال إلى الخروج نحو بيئات اقتصادية أكثر أمانًا.
– الضغوط الشعبية تتزايد أيضًا، حيث يعبر الإسرائيليون عن استيائهم من استمرار الحرب وتداعياتها. إذا لم تحقق الحرب أهدافها، فإن هذه الضغوط قد تقلل من الدعم الشعبي لنتنياهو.
– التحديات العسكرية تؤكد أن حزب الله تمكن من تعزيز قدراته الدفاعية على الحدود، ما يعقد من خطط الجيش الإسرائيلي لاجتياح الجنوب اللبناني. ومع تزايد التحديات الميدانية، قد يلجأ نتنياهو إلى تخفيض سقف الأهداف، والاكتفاء بمحاولات ضرب قيادات حزب الله لتحقيق مكسب سياسي داخلي.
- المساعدات الدولية للبنان في مؤتمر باريس
أظهر مؤتمر باريس الأخير تضامنًا دوليًا مع لبنان؛ حيث حصلت بيروت على مساعدات مالية فاقت طلب الحكومة اللبنانية البالغ 400 مليون دولار، إذ جُمِع أكثر من 800 مليون دولار للمساعدات الإنسانية، و200 مليون لدعم الجيش اللبناني. هذه المبالغ تفوق ما كانت تتوقعه باريس، إلا أنها تظل أقل من مؤتمرات باريس السابقة التي هدفت إلى إعادة الإعمار والنمو.
يشير هذا المؤتمر إلى أن الدول المانحة تسعى إلى دعم لبنان لفترة طويلة قد تصل إلى ستة أشهر أو سنة، مما يعكس قلق المجتمع الدولي من احتمال انهيار الدولة اللبنانية في حال استمرار الحرب.
- صراع الإرادات والأهداف الكبرى
إسرائيل ترفع شعارات كبرى كالقضاء على حزب الله وإعادة المستوطنين إلى الشمال، لكن حزب الله يرد بالصمود العسكري وتوسيع دائرة استهدافه في إسرائيل، مشددًا على أن الحل الوحيد لإعادة المستوطنين هو وقف العدوان على لبنان وغزة. يعكس هذا صراع إرادات عميق بين الطرفين؛ فكل طرف يتشبث بأهدافه الاستراتيجية رغم ثقل التكاليف.
- تخفيض السقف الإسرائيلي وضغوط أمريكية
مع فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق تقدم عسكري حاسم، بدأت إسرائيل بتخفيض سقف طموحاتها، حيث بات القضاء الكامل على حزب الله يُعتبر شبه مستحيل بحسب التصريحات الأمريكية. نتيجة لذلك، ربما تجد إسرائيل نفسها مضطرة للقبول بحل وسط يتمثل في استهداف بعض قيادات الحزب بدلاً من القضاء عليه بشكل كامل.
- التصعيد المحتمل نحو إيران
في ظل غياب التقدم الميداني، قد يلجأ نتنياهو إلى نقل المعركة باتجاه إيران، من خلال محاولات لتوريط الولايات المتحدة في الصراع. هذه المحاولات تترافق مع حملة إعلامية وسياسية تهدف إلى تصوير المقاومة على أنها خاسرة، وإقناع الرأي العام اللبناني والإقليمي بضرورة نظام لبناني جديد يخلو من نفوذ حزب الله. ويأتي هذا في إطار رؤية نتنياهو “لشرق أوسط جديد” يكون خاليًا من النفوذ الإيراني.
- التدخل الروسي ومقترحات التسوية
روسيا دخلت على الخط بطرح مقترحات تسوية تتضمن بقاء النفوذ الإيراني ولكن بشكل مضبوط بتفاهمات معينة. الدور الروسي يسعى إلى تحقيق توازن بين القوى الإقليمية والدولية، في محاولة للوصول إلى تسوية شاملة قد تساهم في استقرار المنطقة.
- سيناريوهات اليوم التالي بناءً على نتائج الانتخابات الأمريكية
– فوز هاريس:
في حال فوز هاريس، من المتوقع أن تسعى إلى إعادة إحياء التفاوض مع إيران للوصول إلى تسوية تحفظ مصالح إسرائيل، ما قد يضمن استمرار حزب الله كقوة مؤثرة في لبنان. هذا السيناريو قد يزعج بعض الدول العربية، ويحد من النفوذ الروسي في سوريا، مما يجعل المشهد الإقليمي أكثر تعقيدًا.
– فوز ترامب:
إذا فاز ترامب، فمن المرجح أن يتحقق نوع من التفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا على ترتيب الوضع في لبنان وسوريا. هذا السيناريو قد يشمل دورًا أكبر لسوريا في ضبط حزب الله، مقابل إعادة تأهيل النظام السوري دوليًا، وتمكينه من استعادة دوره السياسي في لبنان، مما يفتح الباب أمام استثمارات خليجية لإعادة الإعمار وتخفيف النفوذ الإيراني تدريجيًا.
- مستقبل حزب الله في لبنان
في كلا السيناريوهين، يبدو أن حزب الله سيظل جزءًا من المشهد اللبناني. إذا فازت هاريس، سيكون حزب الله جزءًا من تسوية أمريكية-إيرانية تشمل ترتيبات داخلية تحفظ موقعه. أما إذا فاز ترامب، فقد يتم ضبط الحزب من خلال دور سوري مدعوم روسيًا، مما يحافظ على حضوره ضمن توازنات جديدة.
- إعادة الإعمار بعد الحرب في لبنان
سيكون تمويل إعادة الإعمار في لبنان أحد أهم التساؤلات في اليوم التالي. إذا فازت هاريس وتم التوصل إلى اتفاق مع إيران، فقد تُفرج الولايات المتحدة عن الأموال الإيرانية المجمدة، مما يوفر تمويلًا ضخمًا لإعادة الإعمار، خاصة في المناطق التي يدعمها حزب الله.
أما في حال فوز ترامب، فستكون الدول الخليجية هي المساهم الرئيسي في إعادة الإعمار، بتعاون محتمل مع روسيا، مما قد يعزز النفوذ العربي في المنطقة، ويمهد لمنافسة محتملة بين قطر وإيران في عملية إعادة الإعمار.
- الدور الأوروبي والدولي في دعم الاستقرار اللبناني
كانت المساعدات المقدمة في مؤتمر باريس أعلى من المتوقع، ما يظهر اهتمامًا أوروبيًا ودوليًا بإبقاء الوضع اللبناني مستقرًا، على الأقل حتى تتضح نتائج الانتخابات الأمريكية. هذا الدعم يأتي بهدف منع تدهور الوضع اللبناني وتجنب موجات نزوح جديدة باتجاه أوروبا، حيث تبقى تكلفة دعم لبنان أقل من التعامل مع تداعيات هجرة واسعة النطاق.
- مشاريع بعض الأحزاب اللبنانية لتسليم سلاح حزب الله
بعض الأطراف اللبنانية تعوّل على تسليم سلاح حزب الله للدولة، ولكن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال نصر إسرائيلي كامل، وهو سيناريو يبدو غير واقعي. لذلك، فإن السيناريوهات الأقرب للواقع هي تلك التي يبقى فيها حزب الله كقوة رئيسية في لبنان. تنفيذ القرار 1701 لا يعني بالضرورة تسليم السلاح، بل قد يؤدي إلى تفاوض داخلي حول استراتيجية دفاعية وطنية تشمل سلاح المقاومة كجزء أساسي من الدفاع عن البلاد.
- خطط الطوارئ للمرحلة المقبلة
لا ينبغي أن تقوم خطط الطوارئ في لبنان على افتراض وقف إطلاق النار قريبًا، بل يجب وضع خطط تراعي احتمالات استمرار الحرب لفترة تمتد بين ستة أشهر وسنة. يتطلب ذلك تعزيز الجاهزية في مجالات مثل التعليم، الصحة، ودرء الفتن الاجتماعية، لتجنب تداعيات الحرب على المجتمع اللبناني.
خاتمة
مع استمرار الحرب، يبدو أن وقف إطلاق النار لن يكون قريبًا، وأن العديد من الأطراف تراهن على تغيير جذري لا يمكن تحقيقه عبر الوسائل العسكرية وحدها. الدعم الدولي والمساعدات المقدمة للبنان تهدف إلى الحفاظ على استقرار البلاد حتى تتضح الرؤية بعد الانتخابات الأمريكية، حيث سيتحدد مصير حزب الله والمشهد اللبناني في إطار تفاهمات دولية وإقليمية قد تتبنى أحد السيناريوهين الرئيسيين.