العالم العربيسياسة

اليمن: تضحيات وأثمان فوق الطاقة (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

على الرغم من الفقر الذي يعاني منه الشعب اليمني، والعقوبات التي يتم فرضها عليه نتيجة مواقفه المشرّفة الى جانب الشعب الفلسطيني ، هذا الشعب ما زال يصر على هذا الموقف المساند للشعب الفلسطيني، وقد تكون التأثيرات المحتملة للعداء اليمني تجاه إسرائيل على العقوبات الأمريكية ووجود حلفاء أمريكا في اليمن، يمكن أن تكون متعددة الأبعاد ، وقد تساهم في تعقيد الوضع السياسي والعسكري في المنطقة .

 طبعا لهذه العقوبات اسبابها ومنها :

-     العداء اليمني لإسرائيل يعتبر من أهم المبررات من قبل الولايات المتحدة لفرض عقوبات على اليمن ، خاصة إذا تم تفسير هذا العداء على أنه يدعم الإرهاب أو يعرقل جهود السلام في المنطقة.

-     وقوف اليمنيين الى جانب ايران وتأييدها لها في مواقفها الدولية، وخاصة ما يتعلق بملفها النووي والتي تحاول الولايات المتحدة استغلاله لفرض عقوبات على ايران نتيجة عدائها لاسرائيل ودعمها لحركات المقاومة في المنطقة .

-     تصدي اليمنيين للحرب المفروضة عليهم من قبل المملكة العربية السعودية وتدخلها في الشؤون الداخلية لليمن ودعمها لجماعات مسلحة في اليمن ضد جماعات اخرى .

ان وجود حلفاء لاميركا في اليمن يساعد الاخيرة على تطبيق العقوبات وتشديدها على معارضيها داخل الحدود اليمنية. ومن ابرز حلفاء الولايات المتحدة في الداخل اليمني الحكومة اليمنية وبعض الاحزاب الاصولية المتطرفة المقربة من حركة الاخوان المسلمين العالمية .

 أما كيف يمكن استخدام هذه الاطراف والمجموعات فمن خلال ما يلي :

-     الحكومة المعترف بها دولياً (المقربة من السعودية والإمارات)، والتي قد تستخدمها كأداة للضغط على القوى المعادية لإسرائيل، ولديها ادوات كثيرة كون هذه الحكومة معترف بها امام الغرب، وبالتالي يمكنها ان تأخذ قرارات كثيرة لها علاقة بالنقد ، السياسة المالية ، رواتب الموظفين ، وخاصة التحويل للخارج.

-     الاحزاب والمجموعات الاخرى الحلفاء للولايات المتحدة في اليمن، قد يحاولون دفع اليمنيين نحو التطبيع مع إسرائيل كجزء من صفقة سياسية أو اقتصادية ، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والحرب المستمرة ، ومن خلال الضغوط العسكرية بعض الاحيان .

-     دول الاقليم وخاصة الدول الحليفة للولايات المتحدة والتي تسير في ركب التطبيع ، هذه الدول يمكن ان تضغط على الحكومة اليمنية المعترف بها سميا وعلى الاحزاب الحليفة لها للتسريع في مشروع التطبيع  ، وقد يتم ربط المساعدات الإنسانية أو إعادة الإعمار في اليمن بشرط تحسين العلاقات مع إسرائيل أو تخفيف الخطاب المعادي لها.

ان أبرز وأخطر قرار اتخذه اليمن اليوم هو الدخول في معركة غير متكافئة يعلم مسبقا نتائجها عليه ، وخاصة على البنية التحية للمناطق التي تنطلق منها الصواريخ او السفن الصغيرة التي تتدخل لتمنع مرور السفة الاسرائيلية او غير الاسرائيلية المتوجهة الى المرافئ الاسرائيلية .

اليمنيون يعلمون جيدا أبعاد هذا التدخل، وما يمكن ان تكون عليه النتائج نتيجة هذا التدخل والامثلة لا زالت في الاذهان عن حجم الدمار الذي خلفته الالة الحربية الاسرائيلية في غزة وفي لبنان وفي سوريا، مع ذلك قرروا الدخول في حرب الاسناد . نعم الحوثيون لديهم خبرة في حرب العصابات واستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، ما يجعلهم خصماً صعباً حتى أمام قوات متقدمة، لكن في الوقت نفسه فإن العدو اليوم يتمتع بقدرات تكنولوجية هائلة، يمكن استخدامها في هذه الحرب وكانت سببا اساسيا في الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها المقاومة اللبنانية .

ان العداء اليمني لإسرائيل قد يكون عاملاً مؤثراً في زيادة الضغوط الأمريكية على اليمن، سواء عبر العقوبات أو الدعم لحلفاء أمريكا في البلاد. ومع ذلك، فإن القبول الشعبي والسياسي للتطبيع مع إسرائيل يبدو ضعيفاً، وقد يؤدي الضغط إلى مزيد من التصعيد العسكري أو السياسي. أي مواجهة مع الناتو أو إسرائيل ستكون غير متكافئة، ولكنها قد تزيد من تعقيد الوضع الإقليمي وتؤجج الصراعات القائمة.

لم تقتصر التحديات التي يواجهها اليمن اليوم على تحديات سياسية وضغوطات أمنية واقتصادية ، وفي خطوة تعكس التحديات الاقتصادية والسياسية ،بل أعلن البنك المركزي اليمني في عدن أن غالبية البنوك التجارية والمصارف العاملة في صنعاء قررت نقل مراكزها وأعمالها المصرفية الرئيسية إلى مدينة عدن، وهي المدينة التي اختارتها القوى المناهضة كعاصمة معترف بها غربيا وخليجيا ، وجاء هذا القرار تفادياً للعقوبات الأمريكية التي فرضت على الحوثيين ، والتي تسيطر على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من شمال ووسط وغرب اليمن منذ عام 2014.

وأكد البنك المركزي اليمني استعداده لتقديم الدعم اللازم لضمان استمرار الخدمات المصرفية للمواطنين في جميع المحافظات، مشيراً إلى أنه سيصدر شهادات تنفيذ نقل البنوك. ويأتي هذا التحرك في ظل تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كـمنظمة إرهابية أجنبية وفرض عقوبات على قيادات الجماعة.

هذا الواقع الاقتصادي والسياسي الذي يعيشه اليمن أدى الى تراجع الريال اليمني إلى مستوى تاريخي بلغ 2050 ريالاً للدولار، مقارنة بـ215 ريالاً في عام 2015. وأدت هذه الأزمة إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وموجة احتجاجات شعبية. وفي محاولة لوقف التدهور، كثفت الحكومة حملاتها الرقابية على شركات الصرافة، وأغلقت العشرات منها بتهمة المضاربة بسعر الصرف.

كما توقف تصدير النفط اليمني منذ عامين بسبب الاوضاع الامنية ، ما أدى إلى خسائر تقدر بـ6 مليارات دولار. ويعتبر النفط المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية، حيث كان يشكل 70% من الموازنة العامة. وأدى توقف التصدير إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، مع نقص السيولة وارتفاع معدلات التضخم ، وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أعلن المبعوث الأممي لليمن عن اتفاق بين حكومة الجنوب وحكومة الشمال لخفض التصعيد الاقتصادي. وشمل الاتفاق إلغاء القرارات ضد البنوك واستئناف الرحلات الجوية بين صنعاء والأردن، بالإضافة إلى عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الاقتصادية والإنسانية. ورحبت الحكومتان بالاتفاق واعتبره الحوثيون مكسباً لعموم الشعب اليمني.

من المتوقع أن يؤدي الاتفاق إلى تحسين الاستقرار المالي وتقليل الضغوط على العملة الوطنية، ما قد يسهم في تخفيف التضخم وتحسين الوصول إلى الخدمات المصرفية. كما يمكن أن يخلق بيئة أكثر استقراراً للمستثمرين، ويعزز النمو الاقتصادي على المدى البعيد. ومع ذلك، يبقى نجاح الاتفاق مرهوناً بتنفيذ بنوده وبناء الثقة بين الأطراف.

يبقى ان نقول بأن الحلول المستدامة تتطلب جهوداً أكبر لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، بما في ذلك استئناف تصدير النفط وإصلاح النظام المصرفي وتعزيز التعاون بين الأطراف اليمنية ، لكن هل ستسمح الولايات المتحدة بذلك، خاصة مع استمرار إصرار اليمنيين في ما خص سياسة الاسناد التي يعتمدوها لتقديم يد العون للفلسطينيين . فهل سيصمد اليمنيون أمام الضغوط في حال قيام حلف الناتو واسرائيل بعمليات ممنهجة ضد اليمن؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى