كتب البروفسور العميد فضل ضاهر*
حقا انه زمن العجائب في وطني الجريح الذي يدفع بكل شعبه الى الانتحار وركوب قوارب الهجرة والموت من قبل كارتيلات المحتكرين وعصابات إجرامٍ منظمٍ،في الداخل وعبر الحدود، فقدت الضمير والأخلاق واستباحت المبادئ الإنسانية السامية مسقطةً القوانين الوطنية الضامنة لحقوق الانسان. ارتكابات هذه الكارتيلات والعصابات الاجرامية، الموثقة والمسندة، تسببت بقتلٍ، قصديٍ عموما ومتعمدٍ غالبا، لعشرات الأبرياء دون ان يرف لهم جفن او يهتز ضمير؛ ليأتيك بعدهامن يفتي،تجاهلا او تواطؤا،بأنها جنح غير مقصودة لا جزاءات فعلية عليها إن على صعيد الملاحقة ام مقاضاةً أم سجناً وتغريماً…!؟ وذلك كله على الرغم من ثبوت حقيقة كونها جرائم خطيرة مستوجبة التشديد في عقوباتها بمقتضى قوانيننا الوضعية، اضافة الى كونها مجافية بشكل سافر للفقرة ب من مقدمة دستورنا لما ألزمت به مؤسساتنا ومسؤولينا، على اختلاف درجاتهم، من موجب احترام المواثيق الدولية الضامنة لحقوق الانسان والراعية لتطبيق شروط وأهداف الألفية للتنمية المستدامة وفي مقدمتها محاربة الفقر وتوفير مقتضيات السلامة والغذاء والصحة والرفاه…الخ
في ضوء ما تقدم، فانني أدعو كل إنسان وطني حر وشريف الى التحقق والتدقيق ،بكل تجرد وموضوعية، من طبيعة هذه الأفعال الجرمية من خلال التمعن بتعريف قوانيننا لمصطلح الدفاع الوطني، بجميع مقوماته المشتملة حكماعلى منع هذه الأفعال الجرمية،على نحو ما ورد في المادة الأولى من القانون ١٠٢/٨٣ ،سيما لجهة تحديد أهداف هذا الدفاع المختصرة بتوجب” ضمان سيادة الدولة وسلامة المواطنين “.
كماوانني أدعو في السياق ذاته،ومن قبيل التأكيد على قاعدة شرعية هذه العقوبات المشددة والمتناسبة مع المخاطر الجسيمة لتلك الجرائم الاصلية الموصوفة، الى استقراء الفقرة الأولى من المادة الثانية من نفس القانون وقد أوجبت بصورة حكمية الإنهاء بإعلان حالة التعبئة العامة عند تعرض مجموعة من السكان للخطر، ناهيكم بالطبع عن اهمية ما تضمنته هذه المادة من تفصيل لما تسمح به مراسيم اعلانها من صلاحياتٍ استثنائية رادعةٍ وحازمةٍ وصارمةٍ تجيز للوزراء (الشجعان عند توفرهم) إمكانية ” مصادرة الأشخاص والأموال وفرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين” وذلك ضمن شروط مراعاة الأحكام الدستورية المكرسة لقواعد حقوق الإنسان من جهة، ولشروط المحاكمة العادلة الضامنة لحق الدفاع المقدّس من جهة ثانية.وانه لا يفوتني هنا استكمال
حيثيات كل ما سبق ذكره حول التكييف القانوني لجميع اشكال هذه الجرائم الخطيرة الماسة بامننا القومي والمفضية، كما هي حالنا الراهنة، الى النيل من مكانة الدولة المالية والى اضطهاد ما لا يقل عن 98%من الشعب اللبناني،بدحض واستنكار كل ما سمعناه من مزاعم مردودة هدفت الى تبرير الإنكفاء المستهجن أمام فجور مرتكبي هذه الجرائم كائناً من يكونوا والى أي فئة انتموا، سواءفي إطار ما يمكن ادراجه قانونا تحت عنوان الجرائم المخلة بالادارة القضائية،ام لجهة مجافاة هذه التبريرات لأي منطق او شعور انساني. وإني لاراها سانحة لازمة هنا ،لمقاربة المشكلة من منظور نفس اجتماعي،حاثا جميع الباحثين المتنورين اصحاب الرؤى إلانسانيةٍ والوطنية الصادقة، الى المساهمة الفاعلة بتسليط الضوء على اهميةالمرتكزات البراغماتية لأية معاينة بحثية وميدانية ،سواءتوصيفية ام تجريبية واستشرافية،على مخاطر هذه السلوكيات الإنحرافية المدمرة وقد تم تنميطها الى حدودالباتولجيا الاجتماعية التي تحدث عنها اوتو كلينبرغ بالنسبة الى المجتمع،والى درجة تفشي عوارض متلازمة استوكهولم بالنسبة الى السواد الاعظم من افراد هذا المجتمع!؟.وحبذا لو ان جميع القوى الفاعلة والمؤثرة في مجتمعنا،ايا يكن اطارها الناظم لخطط وبرامج عملها،تتعظ من استقراء نتائج تجارب كونراد لورانز على الحيوانات، علنا نتعلم من خلالها بأن عدوانية قاتلي الإنسان في وطننا، مع رعاتهم وحماتهم وشركائهم الداخليين والخارجيين، تجاوزت من حيث طبيعتها ونتائجها،عشرات أضعاف ما يعرف عن عدوانية الوحوش الكاسرة آكلة اللحوم؛ وعلنا نتدارك بالتالي، وتبعا لذلك، جميع خيبات حاضرنا واحلام مستقبلنا سعيا وراء كلمة سواءتجمعنا وتوحدنا،سيما في ضوء ما كابدناه من مآسي واهوال التقاتل الداخلي وفيه ما يؤسف له من تماثل مفزع مع استنتاجات لورانزحول تجربة” حوض الأسماك”،التي اكد من خلالها ان الاقتتال ضمن الفئة الواحدة اقسى وأشد خطورة وعدوانية منه بين الفئات المتنوعة والمختلفة..!؟
في الختام وعلى رجاءقيامة الوطن وحفظ انسانه بالوعي وبالتكافل لدفع شرور اي اقتتال داخلي ، وحيث أن المؤشرات والوقائع تشي بتعذر مصطنع لاستيفاءجموع الضحايا الأبريا ايا من حقوقهم الثابتة والمشروعة من خلال تمسكهم بالشرائع وبالقوانين، بما في ذلك تسلحهم بالمادة السابعة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبموجباتها المكرسة بدستورنا وبقوانيننا الوضعية. وازاء تعاظم عدوانية وتنمّرجلاديهم
رغم عدم جواز إفلاتهم من العقاب بكل المعايير الانسانية والوطنية؛ فانه ما من شريعة تمنع جموع الضحايا هذه، وهي السواد الاعظم من الشعب اللبناني المنهك والمتهالك، من محاصرة الجلادين، المعروفين والمعتلمين، في جميع أماكن تواجدهم الدائمة والظرفية، سواء تشهيراً أم إعاقةً لتنقلاتهم أم رشقاً بالبيض وبالبندورة الفاسدة كمثل ما ترجم به الشياطين، وانتهاءا الى سلوك جميع مسالك الدفاع المشروع المادية والمعنوية الهادفة الى رمي الجناة في مزبلة التاريخ…
*مفوض الرصد والدراسات والتربية والتطوير في الهيئة الوطنية لحقوق الانسان،المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب
زر الذهاب إلى الأعلى