بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
بعد ان هيمن السلاح الاميرِكي على العالم خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 26 كانون اول 1991 ، بدأت الولايات المتحدة الاميركية معركتها الاقتصادية على العالم ، وكان شعارها لفتح الاسواق العالمية ولا سيما منها الكبرى، التجارة الحرة ، فاستفادت من هذا الشعار لتدخل بضائعها الى كل العالم ومنها الصين ، الهند ، روسيا ، ومعظم دول ما كانت تسمى بالاشتراكية ، وفرضت نمطا” استهلاكيا” عليها، ليس فقط في السلع الاستهلاكية، لا بل في الخدمات، ولا سيما خدمات الانترنت والتكنولوجيا .
في السنوات العشر الاخيرة بدأت الولايات المتحدة تشعر بمخاطر هذا الانفتاح الكبير لاقتصادها، وخاصة بعد ان دخلت الصين ، الهند ، روسيا ، والبرازيل على الخط وبدأت تحقق معدلات نمو مرتفعة ، وبعد ان غزت بضائعهم العالم أد ذلك الى تراجع الانتاج الاميركي ، وانخفاض الطلب على السلع الاميركية حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، بسبب فارق السعر والذي كان دائما لمصلحة هذه الدول لأسباب كثيرة منها انخفاض الكلفة وخاصة كلفة اليد العاملة .
اليوم تحاول الولايات المتحدة الاميركية وقف تقدم هذه الدول عبر تدابير وإجراءات منها العقوبات ،خاصة على روسيا والصين ، ومنها رفع الرسوم الجمركية على كل السلع بما فيها الرسوم الجمركية لدول صديقة وحليفة للولايات المتحدة الاميركية مثل كندا ، المكسيك ، الاتحاد الاوروبي ، وغيرها من الدول، علما ان معظم هذه الدول مرتبطة معها باتفاقيات تجارية وتسهيلات جمركية منذ سنوات طويلة .
لكن ما هي الرسوم الجمركية ؟
الرسوم الجمركية هي ضرائب تفرضها الحكومات على السلع المستوردة من دول أخرى . تُستخدم هذه الرسوم لحماية الصناعات المحلية، والحد من العجز التجاري، والضغط على الدول الأخرى لتغيير سياساتها التجارية.
بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية تعتمد تحديد قائمة الدول المستهدفة على السياسات التجارية للحكومة الأميركية . فخلال السنوات الأخيرة فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على الصين بسبب الخلافات التجارية وقضايا الملكية الفكرية ، والاتحاد الأوروبي على بعض المنتجات مثل الصلب والألمنيوم ، وكندا والمكسيك حيث تم فرض رسوم جمركية على بعض السلع ، رغم اتفاقية USMCA البديلة عن NAFTA والتي تم توقيعها في 30 تشرين الثاني من العام 2018 ودخلت حيز التنفيذ في 1 تموز 2020 .
ما هو تأثير هذه الرسوم على الاقتصاد الاميركي؟
طبعا لهذه الرسوم تأثيرات متعددة منها زيادة إيرادات الحكومة حيث توفر الرسوم الجمركية مصدراً للدخل الحكومي ، ومنها رفع تكلفة الإنتاج بالنسبة للشركات التي تعتمد على المواد المستوردة ، كما يمكن ان تحد الرسوم من الواردات ما يخفض العجز التجاري ، ولكن بشكل محدود .
في المقابل فأن الرسوم الجمركية يمكن ان تؤدي الى تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث يمكن ان يؤدي رفع الرسوم الى ردود فعل انتقامية من الدول الأخرى ، وهذا ما حصل حيث لجأت بعض الدول الى التهديد برفع الرسوم الجمركية بوجه السلع الاميركية ما يمكن ان يؤدي الى انخفاض صادرات الولايات المتحدة الاميركية نفسها وبالتالي تراجع الانتاج .
بالنسبة للشركات والمصانع في الولايات المتحدة يمكن ان تستفيد من رفع الرسوم، حيث يمكن ان يغير بعض المستهلكين من سلوكهم الاستهلاكي ليتجهوا نحو شراء السلع المحلية نتيجة فارق السعر الجديد بعد رفع الرسوم على السلع الأجنبية، وبالتالي الاستفادة من انخفاض المنافسة الأجنبية ، ما يعزز أرباحها ، أما الشركات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة فإنها ستواجه ارتفاع التكاليف ، ما قد يقلل من أرباحها .
على الرغم من الإشارات التحذيرية المبكرة بخطوات ترامب برفع الرسوم ، إلا أن الشركات الأميركية لم تسارع إلى استيراد البضائع من الدول المستهدفة ، ولكن نقل البضائع عن طريق السكك الحديدية والطرق ازداد بشكل طفيف في الشهر الماضي ، ما يشير إلى أن بعض الشركات حاولت نقل البضائع قبل سريان الرسوم.
ما أثر الإجراءات على المستهلكين ؟
إن رفع الرسوم قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأميركيين ، حيث من المتوقع أن تنقل الشركات ثمن التكاليف الإضافية إلى المستهلك بدلا من استيعابها ، ومن المتوقع ارتفاع الأسعار بشكل عام ، بما في ذلك في متاجر البقالة ومحطات الوقود، وخاصة في الغرب الأوسط الأميركي حيث يتم تكرير النفط الكندي وتحويله إلى وقود . هذا الامر بطبيعة الحال سيؤدي الى تراجع القدرة الشرائية للمواطن الاميركي ، ويرجح أن ترتفع أسعار السلع غير المعمرة مثل المواد الغذائية في غضون أسابيع، بينما قد يأخذ ارتفاع أسعار السلع المعمرة مثل السيارات فترة أطول بسبب وجود مخزون حالي منها.
ما هو تأثيرها على الاقتصاد العالمي ؟
ان وضع العراقيل أمام التجارة العالمية سيؤدي حتما الى تراجع التبادل التجاري بين الدول، ويمكن ان يؤدي الى تباطؤ التجارة العالمية ،وبالتالي تراجع حجم التجارة العالمية ، كما تؤثر الحروب التجارية على أسواق الأسهم والاستثمارات العالمية ، وهذا الامر سيؤدي حتما” الى إعادة تشكيل سلاسل التوريد حيث تعيد الشركات ترتيب مصادرها لتجنب الرسوم المرتفعة.
أهم المستفيدين :
الحكومة الأميركية : عبر زيادة ايرادات الرسوم الجمركية .
الصناعات الاميركية : حيث تحصل الشركات الأميركية على ميزة تنافسية.
الدول غير المستهدفة : إذا فرضت رسوم على الصين مثلاً، فقد تستفيد دول مثل فيتنام والهند كموردين بديلين.
وقد تستفيد منه الدول المستهدفة والتي تعتمد على الإنتاج المحلي حيث قد تصبح أكثر اعتمادًا على صناعاتها الوطنية.
ما هي النتائج المتوقعة ؟
طبعا هناك تاثيرات متعددة منها القصير ومنها الطويل الاجل. فعلى المدى القصيرسيؤدي الأمر الى ارتفاع الأسعار،و اضطرابات في التجارة العالمية، وتباطؤ النمو الاقتصادي . وعلى المدى الطويل سيؤدي ذلك الى إعادة تشكيل سلاسل التوريد ، وازدهار بعض الصناعات المحلية، لكن مع احتمال تراجع النمو العالمي إذا استمرت النزاعات التجارية.
في النهاية هذه المغامرة خطيرة جدا، ويمكن ان تؤدي الى نتائج عكسية على الواقع الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، بحيث تتراجع معدلات النمو ، ارتفاع معدل البطالة ، تراجع معدلات الاستهلاك ، انخفاض القدرة الشرائية ، وصولا الى تزايد حجم العجز في الموازنة الاميركية وارتفاع الدين العام نتيجة تراجع الاستهلاك الممول الاساسي لإيرادات الخزينة الاميركية .
فهل تكون هذه المغامرة هي الضربة القاضية للاقتصاد الاميركي ؟