حروبرأيسياسة

الوجع أكبر من الكلام: لماذا لا تفتح المعابرإلى غزة ؟(هدى سويد)

 

هدى سويد ـ إيطاليا- الحوار نيوز

 

(الرسوم بريشة الزميلة منى سكريّة)

أول وآخر ما أود قوله وحسب الإحصاءات الأخيرة أن عدد الشهداء في غزة والضفة صار على أعتاب العشرة آلاف منذ السابع من أكتوبر ، بينهم أكثر من ثلاثة آلاف طفل وأكثر من ألفي امرأة ،أي معظمهم من المدنيين .

ما أود قوله أن الوجع أكبر من الكلام، وللمرة الأولى أشعر بأن هذا الموت والإبادة أكبر من القدرة على الكتابة والتعبير عن الألم .

يصعب التعبير أمام  ما يحصل من مجازر ، أمام محاصرة الموت لمواطنين عزّل يواجهون بصمت وحدهم  كل حقد دبابات وطائرات المحتل .

 ارتدى رئيس حكومة المحتل ووزير دفاعه اللون الأسود، حدادا على من ؟

تستعصي الكتابة أمام هذا الموت ،

وأجدني أدور ما بين خبر وصورة ، ما بين نص ورأي ،

بين مأساة اللحظات وفرحي بهتاف وتصفيق إثر نجاة طفلة وانتشالها بتأن،من حفرة وحيدة كانت تأوي إليها لأيام من بيت كان.

تستعصي الكتابة أمام هذا الموت ،

أمام فيضان العتمة التي تعم نبض من بقوا وتسمّروا،

أمام من يحبون الأرض والحياة ،

أمام أشلاء وتراكم الجثث تحت الركام والأنقاض وفوقها ،

أمام قصف بربري جعل المدينة حوض دماء زكية لها رائحة جلد الأطفال عند ولادتهم ،

جعل دولة بأكملها في العراء ، مزرعة مدمرة مسلكة مفتوحة نحو السماء .

كلما غضبت إسرائيل تجن وتفرغ حقدها قنابل ودمارا وحريقا ،

تسعى للتوغل.. لماذا ؟

بحثا في القبور والجثث عن صوت لم يزل يدندن لفلسطين.

يصعب التعبير أمام رؤية  الأطفال الباحثين عن أهاليهم ورفاق المدرسة ،المنتظرين ، أو أولئك المكفّنين بالأبيض أوما تيسر من لون ،

اللون أسود

اللون أحمر.

وكأن الأطفال ممنوع عليهم أن يكبروا ويشبّوا،

يصعب التعبير أمام الأطباء الذين يتابعون تضميد الجراح ، وإجراء عملياتهم كيفما اقتضى نقصان المعدات الأدنى ، أصغرها الضوء وأكبرها الدواء.

يعجز المرء ويعتريني وجع أمام رؤية المجازفين بحياتهم لنقل الكلمة،

أمام صحافي فقد عائلته واستمر بلغة واثقة بنقل الحدث .

أمام وائل الدحدوح.

قد تكون كلمة أبطال باتت “بائتة” ،

إن لم يكن بوسعنا تسمية الصامدين بالأبطال ماذا بوسعنا تسميتهم ؟

  لعل بوسعي تسميتهم بالشهداء الأحياء إن كانت كلمة شهيد هي ألأصلح .

يؤججنا هذا الموت ويؤجل تنبؤاتنا، وليس بوسعنا الإجابة من شدة سرعته.

تصل الصور بكثافة عن حجم الموت المحاصر.

لماذا لا تفتح كل المعابر في العالم وصولا إلى غزة ؟

لماذا لا نستطيع الوصول إلى غزة فنحتضن الأطفال ونرخي عيونهم تغفو فوق أكتافنا ؟

تصل الصور بكثافة.. تغرقني !

 

* ذكرتني الصور بمشهد فيلم ياباني يعرض حاليا في الصالات الإيطالية “صور لعائلة”(2020) للمخرج الياباني ريوتا ناكاتو،الذي يروي حياة المصور الفانتازيا ماساشي أصادا.

  في جزء من الفيلم   يلقي المخرج الضوء على مهمة قام بها المصور كمتطوع ،مساعدا المتضررين من جراء الزلزال الذي ضرب طوهوكو ، ساعيا إلى ترتيب الصور مع متطوعين آخرين ، كي يتعرف السكان على المفقودين من أقارب وأصدقاء ، ويقف حائرا على كيفية مساعدة طفلة لا تملك صورة لأبيها الذي كان مغرما بالتصوير ، وهي لم تجد من ذكراه سوى حمل ساعة يده الكبيرة  في معصمها ، سائلة إياه كمصور بارع ،إيجاد حل كي تحتفظ بصورة لأبيها الذي غيبه الزلزال ، فما كان منه إلا أن طلب منها استعارة الساعة ووضعها في معصمه ، وبدأ بتصوير العائلة كما كان يفعل أبوها ، فاستدركت أن والدها لا صورة له بين الصور لأنه كان يقوم دوما بتصوير العائلة .

ينتهي بالقول : قد نسترجع الماضي بالصور لكن أجملها أنها تدفعنا للإستمرار في الحياة.   

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى