الواقع السياسي للرد الايراني وحدوده و آفاقه(علي يوسف)
كتب علي يوسف – الحوار نيوز
كل ما نسمعه منذ الأمس حول الرد الايراني على جريمة الكيان الصهيوني المتعلقة بقصف القنصلية الايرانية في دمشق، يقع في خانة تأكيد التراجع ان لم نقل الانهيار في الفكر السياسي لمصلحة فكر المناكفات واعتبار ان الاهمية القصوى هي الإجابة على سؤال من هو الأقوى ، مع تغييب القضية والاهداف وتوازن القوى والاستراتيجيات والتحولات واتجاهاتها ومدى مساهمة هذا الحدث في هذه التحولات و تحديد موقعه في هذه التحولات الخ …..
منذ الامس والحديث الاعلامي وحتى للمعلقين ينحصر حول عدد المسيرات وعدد الصواريخ، وتتضارب الارقام بحسب الرغبات ثم كم عدد المسيرات والصواريخ التي اسقطت بفعل الدفاعات وكم عدد الذي وصل منها وحجم الاضرار التي احدثها طفيفة ام كبيرة على طريقة اثبات من الاقوى ، وان كانت الاحاديث تتعدى ذلك احيانا الى مواقف بعض الدول واحتمالات متابعة الردود والموقف الاميركي خصوصا في هذا الشأن، ولكن كل ذلك يدخل في معرض اظهار القوة و القدرة من دون إحاطة كاملة بمسار استراتيجيات الوقائع والتوازنات الدولية وتعدد الاقطاب وانعكاساته على كل المسارات السياسية والاقتصادية …..
قد يصعب رسم وكذلك حسم إحاطة كاملة ودقيقة للواقع واحتمالاته الاستراتيجية. و في مقال محدود المساحة، ولكن يمكن وضع العناوين والمؤشرات الاساسية على نحو مختصر مع الاعتذار سلفا على الحجم الكبير للمقال ولكن للضرورة احكام ..
١-يجب التأكيد ان الرد الايراني التزم بقاعدتين : الاولى هي مشروعية الدفاع تحت سقف القانون الدولي الذي خرقه الكيان الصهيوني بضرب القنصلية الايرانية في دمشق ..والثانية هي التأكيد ان الرد محدود لجهتي السبب والهدف …
٢- ان اظهار القوة هو من وسائل تأكيد مصداقية محدودية الرد، فلجأ الى تنفيذ سيطرة على الاجواء الاقليمية بحيث كانت الطائرات المسيرة والصواريخ المتجهة الى الكيان الصهيوني تمر فوق دول المنطقة ومن كل الاتجاهات …
٣- ترافق الرد وتأكيد المحدودية ايضا مع تهديدات لكل من يشارك العدو في الدفاع او الهجوم، وتعززت هذه التهديدات بمظاهر السيطرة على الاجواء الاقليمية …..
٤-اقدمت ايران على اعلان محدودية ردها من مقر الامم المتحدة لتأكيد المشروعية الدولية والالتزام بالقانون الدولي ….
٥- بل ان الخارجية الايرانية كانت اكدت انه كان يمكن تفادي الرد الايراني لو اقدمت المؤسسات الدولية، اي مجلس الامن الدولي ،على تحمل المسؤولية وادانة العدوان الصهيوني .. وجاء هذا الموقف لتأكيد الالتزام بالقوانين الدولية ومحدودية الرد …
بعد تحديد هذه الوقائع يأتي السؤال البديهي :”هل كل هذه المبررات والالتزامات ناتجة عن ضعف وخوف من خوض حرب مفتوحة كبرى ؟؟ وهل هو الضعف والخوف نفسهما اللذين يمنعان تنفيذ التهديد بإزالة الكيان وربط التنفيذ على “نحو مستغرب “بشرط “اقدامه على ارتكاب حماقة ” ،ما يطرح سؤالا بديهيا حول سبب الشرط اذا كانت الامكانية موجودة ؟
استطيع القول والتأكيد وبكل ثقة ان ايران ومحور المقاومة قادران الآن على تحقيق الانتصار عسكريا على الكيان الصهيوني حتى لو تلقى الدعم والمشاركة العسكرية المباشرة من اميركا وجميع الدول الغربية … وهذا ليس من باب العنتريات وانما من باب دروس التاريخ والجغرافيا السياسية ( فيتنام – لبنان -الصومال- افغانستان – العراق الخ..) ومن باب القدرات والاستعدادات المختلفة والتجارب والارادة الناتجة عن الالتزامات السياسية والأيديولوجية والإيمانيّة والاستعدادات الجبارة للتضحيات التي رأيناها في كل دول وشعوب محور المقاومة وفي طليعتها ما نراه لدى الشعب الفلسطيني الجبار …
واستطيع القول إن تغيير هذا الواقع لا يمكن ان يحققه الا استعمال القوة النووية الذي يُدخل العالم في واقع آخر … ليس مجال الحديث عنه الآن …..
وهذه الوقائع تستوجب الرد على السؤال البديهي : لماذا لا يتم اللجوء الى الحسم والانتصار العسكري الآن ونحن في معركة مفتوحة يدفع فيها الشعب الفلسطيني اثمانا لا تُحتمل وتضحيات تفوق الخيال ويشاركه في جزء منها لبنان والشعب اللبناني والشعب السوري والشعب اليمني مع تأثيرات متنوعة على مختلف دول المنطقة.
اعتقد ان المشكلة الاساسية هنا مشكلة سياسية تتعلق بما سينتج عن الانتصار وموجبات رسم خرائط جديدة في ضوء تزلزل النتائج والخرائط التي نتجت عن التوازنات التي افرزتها الحرب العالمية الثانية، ان من النواحي الجغرافية او السياسية او الاقتصادية او الارتباطية المحاورية ..
وسبب هذه المشكلة هو ان تراجع هيمنة الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية المسماة كبرى والتي باتت تابعة لها، لم ينتج عن خسارتها لحرب كبرى حتى يفرز صورة وتوازنات جديدة للعالم كما حصل سابقا، بل نتج عن فشل نظامها بسبب طبيعته المافياوية في صياغة تسويات دولية واقليمية تؤمن استقرارا وتقدما تنمويا تسمح لها “بسيطرة حكيمة ” وقيادة نموذج دولي مقنع …
وفي مقابل هذا التراجع في المحور الدولي المسيطر حتى الآن والذي يُعتبر وجود الكيان الصهيوني احد اهم مظاهر سيطرته في المنطقة ،نشهد نمو المحور الدولي النامي المقابل الذي يُطلق عليه اسم المحور الشرقي والذي نما بفعل الفجور الاميركي والذي لم يستكمل حتى الآن عملية بنائه ليكون بديلا جاهزا مكتمل المواصفات، وهو مايزال ينمو ويستكمل عناصر قواه على مختلف المستويات تحت مظلة التأكيد الدائم على القوانين الدولية وعلى الشرعية الدولية و مفاهيم السيادة والتنمية وتقرير مصير الشعوب، ليؤكد التزامه بنظام دولي مقنع بعيدا عن الهيمنة الاكراهية على الدول وعلى ثرواتها وعلى ارادات شعوبها ..
لا شك بأن محور المقاومة الذي اختار بطء المعركة رغم عظيم التضحيات واختار ان يترك للميدان رفع السقف السياسي من مساندة غزة الى على طريق تحرير القدس وفلسطين، كل فلسطين، ورفع شعار الربح بالنقاط، كان يهدف من كل ذلك استكمال الانهيار الاخلاقي والانساني لهذا الكيان الغاصب المجرم وعدم اضطراره الى تحقيق النصر النهائي على هذا الكيان قبل اكتمال جهوزية محوره الدولي، لأن صياغة توازن دولي جديد ونظام تعدد اقطاب ورسم خرائط اقليمية جديدة، وقد تكون دولية كنتيجة لهذا الانتصار هو فوق قدرة محور المقاومة منفردا ، ويحتاج الى اكتمال المحور الدولي ووجوده شريكا، ليس بالضرورة في الحرب ، وانما على الاقل سياسيا وفي فرض ورسم وصياغة الخارطة الجديدة وواقعها ومستقبلها ..
ان الاجابة على سؤال : ماذا بعد الانتصار العسكري ، وصياغة هذه الاجابة هي التي تحدد سرعة مسار التطورات العسكرية نحو الانتصار …
واذا كان الكيان الصهيوني يستعجل معركة كبرى يشارك فيها كل محوره عبر توسيع الحرب نحو ايران مستغلا عدم استكمال الجهوزية الكاملة للمحور المقابل، فإن الجانب الاميركي ما يزال مترددا في هذا الشأن، كونه يدرك حجم خسارة الكيان الصهيوني في المنطقة، كما يتخوف من ان تكون الباطنية الشرقية “ومفاجآتها ” قد سمحت لتطورات تنسيق اعمق مما يعتقده هو او يعتقده محوره بما في ذلك الكيان الصهيوني …
هل يرد الكيان الصهيوني على الضربة الايرانية ويحاول استعجال المعركة الكبرى ؟
هذه الرغبة حاولت اميركا شد لجامها بالاعلان انها لن تشارك في ضرب ايران .. ولكن لننتظر فالمغامرات من صفات المافيات المعروفة والمشهودة …!!!!