رأي

الهجرة السورية “الطوعيّة” إلى أوروبا في وجه التوطين(انطونيوس ابو كسم)

 

البروفسور أنطونيوس أبو كسم* – الحوارنيوز

إستفاق مجلس النواب، بعد أكثر من عشر سنوات، على إصدار توصيات بشأن المهجّرين السوريين بدلاً من إصدار تشريعات. فمن بدع فراغ المؤسسات الدستورية، التوصيات التشريعيّة، فئة جديدة من مصادر القانون، لم يَفقَه هانس كيلسن بموقعها ودورها. فهل التوصيات التشريعيّة ملزمة للسلطة التنفيذية؟ هل هي أوامر تشريعيّة؟ هل يمكن مراجعتها أو الطعن بها؟ أم هي تمثيليّة على مسرح مجلس النواب لحفظ ماء الوجه على وقع المزايدات والخطابات الوطنيّة وخطاب الكراهيّة. لا يجب أن يتحوّل مجلس النواب إلى مسرح أو إلى مكان نومٍ، كي لا يتحوّل شكلاً ومضموناً إلى فندق صحّ النوم، بإدارة «نُزُوحيّة». وكان حريٌ بمجلس النواب، أن يقرّ تشريعات يحصّن فيها الدستور اللبناني في مواجهة حملة التوطين الجارفة التي تتجلّى معالمها بالخوف الظاهر على حياة الرعايا السوريين من قبل الدول الأوروبية التي ترفض وتعرقل عودتهم إلى بلادهم، كما وترفض بالمطلق استقبالهم، وكأنّ لبنان أكثر أماناً من أوروبا.

مشروعيّة الهجرة السورية الطوعيّة من لبنان

ليس ما يمنع في القانون الدولي، أيّ شخص من الرعايا الأجانب الموجودين على الأراضي اللبنانيّة من أن يغادر هذه الأراضي بشكلٍ طوعيّ عبر المعابر الشرعيّة، إلّا في حالة واحدة، إذا كان قد صدر بحقّ طالب السفر مذكّرة توقيف. كما يقع على الدولة اللبنانيّة موجب واحدٌ هو مكافحة الهجرة غير الشرعية، بموجب البروتوكول الثالث لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الوطنية بشأن مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البرّ والبحر والجوّ (2000). لكن لا يمكن وضع قيود على سفر المهجّرين السوريّين، فهذا يشكّل انتهاكاً لقواعد حقوق الإنسان البديهيّة وفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسيّة للعام 1966. وبما أنّ لبنان ليس طرفاً في اتفاقيّة الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، فهو غير مُلزم باحترام «مبدأ العودة الطوعيّة» للرعايا السوريين، كمصطلح وكموجب مُنبثقين عن هذه الاتفاقيّة.

إنّ الهجرة الجماعيّة الطوعيّة، ليست ترحيلاً قسريّاً للمهجّرين. فالنقل القسري للسكان بموجب القانون الدولي الجنائي، يعني «نقل الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، من دون مبرّرات يسمح بها القانون الدولي» (المادة 7 – 1د من نظام روما الأساسي). أمّا القانون الدولي، فيُتيح طرد أيّ أجنبيّ من البلاد لأسباب تتعلّق بالأمن الوطني أو النظام العام (المادّة 12 من العهد الدولي)، أو تطبيقاً لقرار مُتًّخذٍ وفقاً للأصول الإجرائية التي ينصّ عليها القانون الوطني.

مشروعيّة مواجهة أوروبا للهجرة السورية على المسرح اللبناني

ليس ما يُتيح في القانون الدولي لأيّ منظّمة دوليّة أو دولة أو مجموعة دول أن تتدخّل في الشؤون الداخليّة لدولةٍ ما (المادة 2-7 من ميثاق الأمم المتحدة). وليس ما يتيح في القانون الدولي أن تتخلّف دولة عن موجباتها التعاقدية تحت أيّ حجّة كانت (المادتان 26 و27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969). إنما للأسف، فإنّ دول الإتحاد الأوروبي، تنتهك الدستور اللبناني، عبر التدخّل القسري بغية إلزام لبنان بتطبيق إتفاقيّة الأمم المتحدة للاجئين والذي هو ليس طرفاً فيها، كما وبإلزامه منح الجنسيّة اللبنانيّة للرعايا السوريين على الأراضي اللبنانية تنفيذاً للمادة 34 من هذه الإتفاقيّة، أكان دبلوماسيّاً أو تشريعيّاً. ولتسهيل هذا الأمر، طلب البرلمان الأوروبي من لبنان الإنضمام إلى اتفاقيّة الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، بموجب الفقرة 13 من القرار 2742 في تموز 2023.

وللأسف أيضاً، تسعى الدول الأوروبيّة لعدم استقبال طالبي اللجوء السوريين خلافاً لالتزاماتها التعاقديّة وخلافاً للتشريعات الأوروبيّة. لهذا يجب توضيح الأمور التالية:

أوّلاً، إنّ جميع دول الإتحاد الأوروبي، ملزمة بتطبيق اتفاقية اللاجئين للعام 1951 وبروتوكولها للعام 1967.

ثانياً، إنّ دول الإتحاد الأوروبي ملزمة باحترام نظام اللجوء الأوروبي المشترك (RAEC) وفقاً لاتفاقية أمستردام 1999، من ضمنها نظام دبلن وبعض التوجيهات الأوروبية (DIRECTIVES 2011/95/UE & 2013/32/EU…). في كلّ الأحوال، إنّ إقرار ميثاق الهجرة واللجوء الأسبوع الماضي، لا يمكنه أن يناقض المادة 18 من ميثاق الحقوق البديهيّة للإتحاد الأوروبي الخاصّة بحقّ اللجوء، حيث يكفل الإتحاد حقّ اللجوء بالإحترام الواجب لقواعد اتفاقية جنيف للعام 1951، وبروتوكولها للعام 1967 الذي يتعلّق بوضع اللاجئين وطبقاً للمعاهدة التي تُنشِئ المجتمع الأوروبي.

إنّ مساهمة الدول الأوروبيّة في تحويل لبنان إلى مسرح لمعارك الهجرة مع النظام السوري، أمرٌ يثير الإمتعاض والدهشة، فهو ليس إلّا إقحاماً جديداً له في النزاع المسلّح في سوريا، وجعله بالتالي ساحة حربٍ. وقد تؤدي هذه السياسة الأوروبية المُرتَبِكة إلى ارتكاب جريمة التهجير القسري بحقّ المواطنين اللبنانيين.

الحاجز القبرصي الأوروبيّ والممانعة السوريّة الروسيّة

لا يمانع النظام السوري في تسهيل عودة المهجرين السوريين إلى ديارهم خصوصاً وأنّ أغلبيّتهم السَّاحقة مؤيّدة له، ولكن بشروط تفاوضيّة تعيد دوره كدولة عربية شرق أوسطيّة ممانعة. إنّ ورقة المهجّرين السوريين، هي من أفضل أوراق التفاوض السوريّة الحاليّة، كما وأنّ هذه الورقة تُشكّل ضغطاً روسياً غير مباشرٍ على الدول الأوروبيّة حليفة كييف. فالإعتراف الأوروبي بالنظام السوري الحالي، إضافة إلى المساعدة في إعمار سوريا، يشكّلان نقطة البدء الجديّة لعودة اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين من أوروبا إلى ديارهم، وبالتالي فإنّ الإستمرار بتصوير سوريا دولة في حالة حربٍ دائمٍ على كافّة أراضيها، قد يُشكّل موجباً إلزاميّاً للدول الأوروبيّة لعدم طرد أو ترحيل أيّ طالب لجوءٍ سوريّ عن الأراضي الأوروبيّة.

إن ورقة التفاوض هذه، يتقن نظام الأسد أيضاً استعمالها مع الحكومة اللبنانيّة، التي تكرّمه بتسمية المهجّرين السوريين كنازحين، وكأنّ لبنان هو مقاطعة سوريّة، وينزح السوريون من منطقة إلى أخرى وليس الهجرة من دولة إلى أخرى. ومع الوقت، ستشكّل هذه الورقة عبئاً أكثر على أوروبا، عبر امتداد نفوذ النظام السوري من ديموغرافي إلى أمني وجودي سياسي. وفي المقابل، ان توريط قبرص في لعب دور شرطي الساحل الأوروبي، قد يجعل منها دولة أمنيّة استراتيجيّة ممّا قد يؤثر على صورتها السياحية وعلى اقتصادها وعلى حدودها البحرية مع سوريا – النافذة الروسية على المتوسّط.

أمّا الأبرز، فهو أنّه منذ العام 1963 أصبحت قبرص دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين، وبالتالي ليس لها أن ترفض استقبال طالبي اللجوء من المهجرين السوريين الذين وصلوا إلى أراضيها بصورة شرعية أو بصورة غير شرعية، بموجب المادتين 31 و32 من هذه الإتفاقيّة. إضافةً إلى ذلك، يقع على دولة قبرص موجب التعاون مع مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بموجب المادة الثانية من بروتوكول العام 1967. كما وتجدر الإشارة، إلى أنّ القانون الدولي لقانون البحار، لا يعتبر مرور سفينة تنقل مهجّرين أو طالبي لجوء انتهاكاً للمادة 19 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بل يشكّل مروراً بريئاً (المصادق عليها من قبل قبرص سنة 1988).

وعليه، فإنّ السفر الطوعي للمهجرين السوريين والذين يرغبون بتقديم طلبات لجوء لدى الدول الأوروبيّة، لا يشكّل هجرة غير شرعية، لدى سفرهم عبر البحر جماعيّاً، في حال خرجوا بموجب أوراق سفر عبر الموانئ اللبنانية وفقاً للأصول. علماً أن لبنان ليس دولة طرفاً في الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم للعام 1990.

والأهمّ، هل يستطيع مجلس النواب اللبناني إلزام الحكومة بإنفاذ مذكّرة التفاهم ما بين الأمن العام اللبناني ومفوضيّة الأمم المتحدة للاجئين للعام 2003؟ وفي حال الإيجاب، هل يستطيع الأمن العام إنفاذ هذه الاتفاقية وإلزام المفوّضيّة بتطبيقها؟ عسى ألّا يكون توطين الرعايا السوريين في لبنان شرطاً رئاسيّاً قد يُخرج لبنان من دائرة المفاوضات الجديّة بشأن المهجّرين السوريين ويُحرجه لقبول أيّ حلّ سياسيّ على حساب دستوره وكيانه.

(*) محامٍ دوليّ وعميد كليّة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الحكمة
(*) بالتزامن مع الزميلة نداء الوطن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى