النووي الإيراني وأثقال الدفع الاستراتيجي(فرح موسى)
أ.د فرح موسى – الحوار نيوز
يكثر التساؤل بين الخبراء والباحثين عن ضوابط وحدود التفاهمات الإيرانية-الأمريكية،التي تحكم إيقاعات الأحداث،وتمنع من توسع الحرب في الشرق الأوسط،.وهناك من الخبراء والباحثين مَن يعطي لهذه التفاهمات أبعادًا مختلفة في السياسة والاقتصاد والبرنامج النووي لوجود أمل لدى هؤلاء أن الاتفاق لا يزال ممكنًا فيما لو بقي الحكم للديمقراطيين في أمريكا.
ولهذا،نجد أنه كلما حدث أمر سياسي، أو عسكري،مباشر،أو غير مباشر،يؤخذ به إلى دائرة الأحكام المسبقة،أن التفاهمات حاكمة،والمصالح غالبة،والضغوط متبادلة،وكل ذلك يحول دون الصدام بين أمريكا وإيران.وهذا كله برأينا مجرد مزاعم وتكهنات لا يمكن الركون إليها في مقاربة حقيقة النزاع القائم بين الدولتين منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران،وقد برهنت تحولات الأحداث،أن إيران ليست في وارد التفاهم مع أمريكا،أو تصديقها في ما تزعمه لنفسها من عدالة وسلام وأمن نووي في المنطقة والعالم.
ولكن هذا لا يمنع من التساؤل عن مدى صحة ما يطرحه البعض بخصوص الملف النووي الإيراني وحاكميته على السياسة الدفاعية في إيران،فيقال:إن هذا الملف له التأثير الأقوى على هذه السياسة،وهو الذي يمنع من أن تكون لإيران جرأة الحرب حتى ولو كانت دفاعية. ولهذا،يُسأل دائمًا عما إذا كانت إيران قادرةً على حماية نفسها في ظل إصرار الأعداء على النيل منها أمنيًا وسياسيًا؟؟
كلها أسئلة مشروعة في سياق احتدام الصراع في الشرق الأوسط وتعرض إيران لأزمات أمنية يفتعلها الأعداء بهدف النيل من مكانتها وسيادتها.فإيران،كما يبدو لنا،مثقلة بأعباء الدفع الاستراتيجي، فهي من جهة تريد الرد على العدوان،ومن جهة أخرى لا ترغب بوقوع الحرب الشاملة.
وهنا تبدو لنا مفارقة مأزومة بين إيران وأمريكا،فهما معًا لا يريدان الحرب،ولكنهما في الوقت عينه يتناقضان في المراد لكل منهما. فأمريكا عازمة على تثبيت الردع الاستراتيجي للعدو الصهيوني والقضاء على سلطة حماس في غزة.أما إيران،فهي تنصر القضية الفلسطينية،وتدعم حركة حماس لتنتصر في الحرب، وتكون أكثر نفوذًا،وهذا ما يجعل من إيران وأمريكا على طرفي نقيض. وهنا تكمن جوهرية الصراع،وثقل التدافع الاستراتيجي في الصراع بين المشروعين في المنطقة؛فإذا كانت إيران تتعرض للعدوانية بما تقدّمه من نصرة وعون للقضية الفلسطينية،فليس لها إلا أن تصمد وتخوض الصراع بعيدًا عن أي تفاهمات،لأن التفاهم أمام حالة العدوان يفرض على إيران أن تكون في حالة حرب لما يعنيه رد العدوان من ذلك،وقد سبق لها في الوعد الصادق أن وضعت نفسها أمام ثقل دفعي كان من الممكن أن تنشأ عنه حرب شاملة.
وانطلاقًا من ذلك،لا يمكن لأحد تصديق مزاعم بعض الخبراء أن إيران تخشى الحرب بتأثير من برنامجها النووي،وأنها تنشيء التفاهمات مع أمريكا لهذه الغاية. فهذا الزعم لا تصدّقه الأحداث،ولا جبهات الإسناد.وإيران تدفع بكل قوة لجعل القضية الفلسطينية أكثر حضورًا وتأثيرًا في الصراع ضد المشروع الاستعماري،فإذا كان الجميع يخشى الحرب الشاملة لما لها من تداعيات ومخاطر على البلاد والعباد،فهذه الخشية لدى إيران لا يمكن أن تكون لها شأنية واقعية فيما لو كان مؤدى الصراع أن تهزم فلسطين،أو أن يتقلص دور المقاومة بالشكل الذي يسمح بغلبة الأعداء.
فالصراع ليس محكومًا للتفاهم كيفما اتفق،وإنما هو قائم على ضرورة تسليم الأعداء بالحق الفلسطيني،وإذا كان الردع الإيراني لم يستوفِ شروط المنع من العدوانية؛فهذا مما تراه إيران يشكل دافعًا للحرب،وهي لا تخشى أن تتحول الأمور عن وجهتها،لتكون في خدمة القضية الفلسطينية.فالدفع الاستراتيجي الذي تثقل به إيران، ويدفع بها إلى حماية السيادة والأمن القومي،هو الذي حتم عليها أن تكون أكثر حذرًا في التعامل مع الأحداث من دون أن يخرجها ذلك عن التزاماتها بأن ترد العدوان بأي ثمن،فإذا كان الأعداء يرون في العدوان على إيران متنفسًا لهم في الصراع،ويعتبرون ذلك قيدًا على طريقة تعامل إيران مع الأحداث،فلم يبق أمامهم سوى الانتظار لتحقق الرد على العدوان،والتحلل من كل القيود،لأن مقتضى الدفع الاستراتيجي أن تبقى لإيران مركزية التوجه والفعل لتحقيق التوازن الردعي بما يخدم قضايا العرب والمسلمين.
وبحق نقول:إن إيران مثقلة بالدفع الاستراتيجي منذ انتصار ثورتها،وإذا كان من مقتضيات هذا الدفع خوض الحرب الشاملة للإبقاء على بعدية الأهداف المحقّة،فإن إيران لن تتوانى عن إطلاق عجلة الحرب،وإلا كانت النتيجة الإفساد في الأرض،فإيران ليست مجرد دولة ردعية بقوتها العسكرية،وإنما هي دولة ذات بعد رسالي يعني وجود الأمة كلها،وليس لأحد أن يزعم في السياسة بخلاف ذلك، لكوننا نعلم جميعاً أن هذا البعد الرسالي سبق لإيران أن أعطته بعد فلسطين،ولم تدخر جهدًا إلا وبذلته في مقارعة الأعداء،فكيف يحق لأحد أن يزعم أن إيران تخشى الحرب لحماية مشروعها النووي؟
وكلنا يدرك حقيقة الأثقال التي حملتها إيران لتثبيت الحق الفلسطيني.؟ فالكل شاهدٌ على البعد الثوري لإيران في فلسطين، ومهما كانت مناورة الأعداء في ما يعلنونه من عدم رغبتهم في الحرب الشاملة،فهذه الحرب هي أقرب ما تكون منهم فيما لو اختاروا استمرار الحرب في فلسطين،فنصرة الحق والدفاع عن المظلومين، هي أطروحة إيران، ليس في ملفها النووي وحسب،وإنما في وجودها وجوهر رسالتها؛فلا يقدّم شيء في إيران على أطروحة الحق،والقيام بواجب الدفع الاستراتيجي في نصرة الحق،والدفاع عن المظلومين، وهذه هي جوهرية الموقف ونظرية الدفع القرآنية التي تمتثل لها إيران في سياستها الدفاعية،أنها لا تداهن،ولا تصانع،بل تقيم أمر الله تعالى في ما ارتضته لنفسها من رسالة ومكانة وحيوية في الدور والوظيفة والغاية النبيلة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.