بقلم ناجي أمهز
قبل الحرب على سورية بستة أشهر تقريبا، دُعيت للقاء سياسي في الجنوب عبر صديق عزيز، وقلت يومها بمداخلتي :”أخشى ان تندلع حرب على سوريا، بسبب بدء سوريا باستخراج النفط بكامل طاقته”، وإذا بأحد الحاضرين يقول لي “لكن سوريا تستخرج النفط منذ السبعينات”، فقلت له “إن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان يستخرج النفط بمعدل لا يتجاوز الثلاثين بالمائة من حاجة سوريا له، ويمكن مراجعة قطع الحساب للحكومة السورية وسيجد هذا الرقم، والباقي يتم استيراده”.
ومن تابع الاحداث وكيف هبطت قوات الاحتلال الأميركي لتسيطر على المناطق المتواجدة فيها آبار النفط في سوريا، يدرك ان مكامن الأزمة هو هنا، النفط ثم النفط ثم النفط.
النظام العميق يسمح لك بان تقتطع جزءا من جغرافيا معينة، لكنه لا يسمح لأي كائن بان يقتطع برميل نفط واحدا من دون موافقة النظام العميق.
النظام العميق قد يتفهم ان تهدر دماء نصف البشرية، لكن لن يسمح لأي قوة بالعالم ان تهدر نقطة نفط واحدة دون مشيئته او ارادته.
النظام العميق يسمح ان تخترع كل الاختراعات وان تصل عنان السماوات، وان تقتل الاحياء وان تحيي الأموات، لكنه لن يسمح بإيجاد بديلا للنفط الا بموافقته.
قد يقول البعض إنني ابالغ، وهل يعقل انه بسبب النفط الإيراني الذي دخل لبنان تحركت أميركا، فأميركا أصلا تستهدف المقاومة دائما وتتحرك حتى قبل دخول النفط.؟
هذا الكلام صحيح لكن ليس دقيقا. دائما هناك خطوط حمر، والدول تراقب عن كثب بواسطة مؤشرات بشرية استخباراتية او إحصائية، ومنذ عقدين تطورت المراقبة بواسطة محاكاة من الحواسيب الخارقة والضخمة للغاية.
فإن كان التهديد او الأمور ما دون الخط الأحمر للمخطط الموضوع، يبقى التجاذب قائما والصراع بحدوده، انما بحال تجاوزت الخطوط الحمر يختلف الصراع وأدواته، ويتغير الكم والوقت.
وللحقيقة ان المقاومة وتحديدا الحزب، كاد ان يغير في سير المخطط العالمي بعد ان كسر المعادلة عام 2000، عندما حرر جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وهذه المعادلة كانت لأول مرة تكسر منذ عام 1914، وبعد عام 2000 تغيرت أمور كثيرة فلا يمكن لأحد ان يتصور كيف كان العالم يتحرك بعد انتصار عام 2000،وخاصة ان بعض الصحف العالمية كتبت، هل الانسحاب الإسرائيلي هو تكتيكي لتوريط المقاومة بصراع مباشر مع القوى الكبرى، أي انه بعد ان عجزت إسرائيل وهي القاعدة العسكرية الأميركية المتقدمة بالشرق الأوسط من الدفاع عن نفسها، امام المقاومة، انسحبت لترك الصراع مباشر مع قيادتها.
وبالفعل بعد 11 أيلول عام 2001 صرح البنتاغون ان الأمور تتواصل على قدم وساق لأوسع عملية لإعادة انتشار القوات الأميركية المتواجدة بالخارج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، المتوجهة إلى أن منطقة الشرق الأوسط والتي ستحتل قريبا الموقع الذي احتله غرب أوروبا أو شرق آسيا خلال حقبة الحرب الباردة.
لذلك يعتقد الكثيرون ان أحداث 11 أيلول هي صنيعة أميركية مرورا باحتلال أفغانستان والعراق والربيع العربي هو تداعيات انتصارعام 2000.
وحرب تموز عام 2006 هي ليست إسرائيلية بل هي أميركية بجيش إسرائيلي وتمويل عربي،وفشل حرب تموز هي التي أوقفت الزحف الأميركي وجعلته يعيد حساباته، ويغير مخططه.
احد هذه المخططات التي لاحظتها بطريق الصدفة بحكم عملي بمجال برمجة وتصميم المواقع الإلكترونية، في عام 2006 وخاصة ان شركة “جوجل” كانت قد أطلقت حديثا “تراند جوجل”، انه سجل ما بين تموز وأيلول 2006 دخول كمية تعادل بوقتنا الحالي 60 مليار ميجا بايت من البحث والصور والفيديوهات للسيد نصرالله، أي بكمية تعادل تقريبا ثلث ما كان العالم يستخدمه قبل 14 سنة، وهذا يعني ان المقاومة لديها تعاطفا شعبيا عالميا اكبر بكثير من فوز الأميركي بحرب عسكرية، ما يعني انه يجب القضاء على المقاومة إعلاميا، وهذا الامر فرض حربا إعلامية وفرض حظرا على أي اعلام يظهر السيد.
وقد صرحت الولايات المتحدة انها رصدت مئات ملايين الدولارات لتشويه صورة حزب الله، وهناك اعلام عربي صرف مليارات الدولارات لذات الغاية، وبالمقابل لم ينجح اعلام محور المقاومة من الانتقال من الاعلام الحربي الى اعلام صناعة الراي العام.
لذلك بقي الصراع ضمن حدوده وان امتد من سوريا الى العراق مرورا باليمن ضمن النقاط الحمر استراتيجيا. وطالما حزب الله يخسر من رصيده العربي بسبب الحرب على سوريا فلتستمر المعركة في سوريا، ولان المخطط الأميركي هو ضرب صورة حزب الله كنت احذر دائما من دخول حزب الله المعركة في سوريا وفي 5 – 1 – 2012 كتبت مقالي: هل يسقط حزب الله مع وتيرة الارتفاعات الجيوسياسية بالمتغيرات السورية، حول هذا الامر تحديدا.
وبالتزامن مع اشتداد الازمة السورية بدأ العمل على تأزيم الوضع اللبناني من خلال ضرب الاقتصاد ثم ضياع الودائع، وفي ظل فساد سياسي عميق وصلنا اليوم الى منعطفات الازمة الكبرى، اوصلنا الى انقسام داخلي زادت من حدته العقوبات على الشيعة، وهناك الكثير من الدراسات تشير ان حزب الله فقد الكثير من وهجه وحضوره العربي، بسبب تأجيج الطائفية وضغط غالبية الأنظمة العربية التي تدور بالفلك الأميركي، وبعد ان ادخل حزب الله النفط الى لبنان رغما عن انف القوى الكبرى، تحركت أميركا بغضب، والدليل انها قبلت بكسر قانون قيصر، من اجل منع حزب الله من ادخال النفط الى لبنان، فهل تتصورون مقدار الازمة التي شعرت بها أميركا لتسمح بمرور الغاز والكهرباء عبر سوريا؟
انه كسر للمحرمات، ومن هنا ارادت أميركا دخول المعركة التي تعتبرها فاصلة او ربما هي بداية الحرب المباشرة، وحضور نائبة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند قبل ثلاثة ايام هو في هذا السياق.
لذلك كل ما تشاهدونه هو مقدمة، والقادم اعظم، والأمور مفتوحة على مصراعيها، حمى الله لبنان وشعبه ووحدته.
زر الذهاب إلى الأعلى