النظام الطائفي يُعفي الجميع من المساءلة
لم يضع مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خطا أحمر على إمكان مساءلة الرئيس فؤاد السنيورة أمام القضاء والرأي العام ،بل وضع خطوطا حمر على مساءلة أي مسؤول ولأي طائفة انتمى،ذلك أنه فتح الباب عريضا أمام قيادات جميع الطوائف لوضع خطوط حمر على مساءلة أي مسؤول في طوائفها ،كبر حجمه وموقعه أو صغر .
وليس صوت المفتي دريان الا صدى واقعيا ومنطقيا لموقف تيار المستقبل وبعض شخصيات الطائفة السنيّة ،وكذلك موقف الداعمين من قوى 14 آذار للرئيس السنيورة ،وبعضهم لم يناصر رئيس الوزراء السابق غراما وعشقا ،بل كرها برافع شعار محاربة الفساد ،وتحديدا حزب الله والتيار الوطني الحر.فكم وكم من المسلمين الاوائل ناصروا عليّا كرها بمعاوية ،أو أحبوا معاوية حنقا على عليّ.
من هنا كانت النصيحة من البداية لحزب الله ألا يتوغل كثيرا في ملف الفساد في ظل نظام سياسي طائفي يقدّس الحمايات بلا حدود،مع العلم أن ترك البلد على غاربه للنهب المنظم ليس من شيم الكرام الذين يلعبون عندها دور "الساكت عن الحق شيطان أخرس".
لا يعني هذا الكلام سحب هذا الملف من التداول ،لكن محاربة الفساد "من تحت" لن تصل الى نتيجة.فالفساد الفعلي هو النظام السياسي الطائفي بحد ذاته ،وما لم تتغير صيغة هذا النظام فعبثا يحلم الحالمون بقطع دابر الفساد .وقد كانت التجربة الأخيرة خير برهان على ذلك .فالاصلاح والتغيير في ظل هذا النظام معجزة في زمن ولى فيه عصر المعجزات.
ولكن ثمة من يعتقد أن هذه الطبقة السياسية ليست في وارد التغيير الجذري،وأن من الوهم الكبير الاعتماد عليها في نقل البلاد الى نظام وطني سليم،لا يفرق بين لبناني وآخر الا بالتقوى وبمقدار إخلاصه لهذا الوطن.
وعلى هذا الاساس سيظل الجدل قائما بين مكونات البلد الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.فلبنان ليس مهيئا للثورات ولا للانقلابات العسكرية التي تقلب الاوضاع رأسا على عقب،وتجربة "الربيع العربي" خلال السنوات التسع الماضية ليست مشجعة.فما هو الحل إذن؟
ثمة من يرى – والعياذ بالله- أن انهيار البلد هو العلاج الوحيد لأزماته،فلعل هذه الطبقة السياسية ترعوي وتشعر بخطورة الموقف،وبعدها يمكن البدء من الصفر أو تحت الصفر .وهذا الطرح بحد ذاته يحمل كمية من الجنون المنقطع النظير.
في الخلاصة ليست في جعبتي ،ولا في جعبة أحد حتى الآن ،مهما نظّر المنظّرون ،حلول واقعية أو سحرية لأزمة البلد،اللهم الا اذا ارتد عقل الرحمن الى القيمين على بلدنا،وقرروا وضع خطة طويلة الأمد للانتقال الى نظام وطني لا طائفي ينقذ الجميع من النهاية المحتومة .