المونة الطائفيّة – السياسيّة تلغي منظومة الحقوق
لم تُدرِك الأطراف والجماعات اللبنانيّة التي تسنّمت الحرب الأهلية، تغييرًا أو دفاعا عن قناعات كانت تتبناها آنذاك -وربما كان بعضها يُدرِك -أنّها دخلت في اتون تحارب طائفيّ، الذي سيأخذ لاحقا شكل تحاربٍ مذهبي، وأنّها لن تستطيع بعده الخروج من تلك الشرنقة، التي أدخلت نفسها فيها، وما تزال نارها تستعر تحت رماد حياة اللبنانيين اليوميّة، والأمثلة على ذلك كثيرة.
والدخول في أتون التجربة المُرّة، أدخل معه إلغاءً لمنظومة الحقوق السياسيّة، والاجتماعيّة، والاقتصادية وغيرها من الحقوق؛ إذ سرعان ما أرسى المتحاربون مونتهم، وقوانينهم، وأعرافهم الخاصّة على المناطق والجماعات التي تستظلّ بظلّهم، كرهًا كان أو طوعا، فباتت لكلّ جماعة طائفيّة قوانينها الخاصّة، تحكمها في أرزاقها وحيواتها وصولا إلى كلّ ما من شأنه ان يمتّ إليهما بصلة، ولا ضير انّ في طريقة التحكّم والمونة اشتراك، قانونًا كان او أعراف.
ومع تدحرج الصراع، صعودًا أحيانا، وخفوتًا أحيانًا أخرى، أخذت بنية القوى المتصارعة طائفيّا في التغيّر، فحلّت قوى شبابيّة جديدة محل تلك التي كانت تتولّى إدارة الصراع، او إلى جانبها، ولكنّه كان للأخيرة اليد الطولى في إدارة الحياة اليوميّة، قتالا كان، أو تسييرا للحياة العامة، بالإضافة إلى أنّها لم تختبر المعاش في ظلّ وجود دولة تتحكم بفائض القوّة، وتسيّر المجتمع على هدي قوانينها، فباتت بعيدة كلّ البعد عن منظومة الحقوق التي كانت سائدة قبيل اندلاع الحرب، معتبرة أنّ ما أرسته هي أو ما نشأت عليه هو الحقيقة المطلقة، والناس في ظلّ ما تقدّم على دين ملوكهم يسيرون.
ومع عودة الحياة إلى الدولة اللبنانية، بُعيد اتفاق الطائف، واعتماد إدارتها على الخارج، سياسة ومعاملات، وتحكّم الطائفيّة بكل مفاصلها، وتفكيك مختلف المؤسسات التي كان يمكن أن تعيد تشكيل المنظومة الحقوقيّة، اعتمادا في ذلك، على متقاتلي الأمس، مدنيي اليوم، نوابا، ووزراء، وإداريين للقطاع العام، الذين نشأوا في ظلّ مونة طائفية – سياسيّة بدأت مع الحرب الأهليّة ونضجت مع تماديها، واستكملت بعيد وَقفها، ولمّا تزل؛ على أنّ من استُبعد أو استَبعد نفسه من إعادة التشكيل في تسعينيات القرن الماضي، قهرا، او طوعا، عاد واخذ مكانه واندرج في البنية، وهو يمارس المونة الطائفية – السياسيّة كما الآخرين، لا بل أكثر، وبات الجميع متكافىء ومتضامن في إلغاء المنظومة الحقوقية.