ثقافة

فرصة أمام العراق للفوز بكرسي اليونسكو (جواد الهنداوي)

 

      د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز

بدأت مُبكراً منافسة الدول المهتمة بسباق الفوز بمنصب رئاسة منظمة الامم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة(اليونيسكو) . وتحرصُ الدول على الترشيح ودخول حلبة المنافسة ،بمقدار حرصها على الفوز بالمنصب .

 حرص الدولة على إعلان و تقديم ترشيحها يعني انها في موقف سليم ازاء الشروط القانونية والفنية المفروضة من المنظمة للترشيح ، و يعني كذلك مدى اهتمام الدولة في جوانب التربية والعلوم و الثقافة ، وانها ( اي الدولة ) تمتلك المقومات الحضارية والتاريخية والثقافية ،التي تؤهلها للترشيح . الترشيح ،و ما يتخلّله من نشاطات و برامج و دعاية ، هو بحد ذاته دعاية لتعزيز مكانة و اسم الدولة . الترشيح يعني ايضاً ثقة الدولة بمقبوليتها من قبل المجتمع الدولي .

هل من الممكن ان نتصّور اقدام العراق على الترشيح في زمن النظام الديكتاتوري البائد ؟

كلا ،بطبيعة الحال لعدم مقبوليته من المجتمع الدولي ، والحال والمثال يُضربْ ويُقال بشأن دول اخرى تواجه عُزلة او انتقادات بسبب افتقارها لثقافة الديمقراطية وحرية التعبير واحترام حقوق الانسان و التعددية الحزبية او بسبب علاقاتها الدولية و الاممية .

الترشيح حق للدولة التي تمثل الشعب وتاريخه و تضحياته ،والامتناع عن الترشيح او التنازل عن الترشيح يعني التنازل عن حق الدولة ،ويعني ايضاً عدم ثقة الدولة بنظامها السياسي وبعلاقاتها الدولية وبمكانتها الدولية ،ويعني ايضاً عدم امتلاكها لكفاءات او رجال دولة قادرين على المنافسة .

     لذا ،اقول أن قيام العراق بالترشح لهذا الموقع هو بحد ذاته اجراء ايجابي و يدّلُ على ثقة العراق بمكانته وعلاقاته وبنظامه الديمقراطي ، وحسناً فعلَ دولة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني حين وجّه ، ومبّكراً ،ومنذ شهر تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام ٢٠٢٢، بترشيح العراق لهذا المنصب . أرادَ دولته بأنَّ يكون العراق اول المرشحين ،كي يظهر ارادة العراق وثقته وتصميمه و حقه في الفوز لأرثه الحضاري ودوره في اثراء البشرية بالعلوم و المعارف والثقافة .

     لنتعرف ولنعّرف الاخرين عن المقومات التي يمتلكها العراق كدولة للترشيح والفوز :

          – للعراق علاقات عربية و اقليمية و دولية ممّيزة ،ويكاد يكون من الدول القلائل التي تحظى بهذه المكانة والاستحقاق من الدعم و رّدْ الجميل . الأشقاء الاردن ولبنان وسورية لايمكن ان يتأخروا عن دعم العراق ، لمواقفه ودعمه لهم . جمهورية مصر العربية ،هي ايضاً لا يمكن ان تنسى موقف العراق حين سحبَ مرشحّه لليونسكو ،الدكتور صالح الحسناوي ، عام ٢٠١٧ ، ولصالح مصر ،والتي لم تفزْ في الانتخابات ، كذلك الحال لدولة فلسطين الشقيقة والجزائر والمغرب وتونس . للعراق علاقات مميّزة مع فرنسا ،اقتصادياً ،لاسيما في مجال الطاقة و مشاريع النقل ، وكذلك علاقات سياسية و دبلوماسية متطورة ،و فرنسا هي دولة المقر لليونسكو ، وصوتها يحدّد تصويت باقي الدول الاوروبية .

      – تعرّضت متاحف ومآذن  ومراقد وجامعات ومدارس العراق الى السرقة والتخريب بسبب الاحتلال وبسبب عصابات داعش الارهابية ، وحارب العراق الارهاب نيابة عن العالم ،وقدّم التضحيات بالارواح و بالثروات .جاء الآن دور دول العالم ودور المنظمات الدولية لتعويض العراق والاعتراف باستحقاقاته في مناصب أممية و اقليمية ،حُرِمَ منها لعقود طويلة .

تدركُ دول العالم مساهمات بلاد الرافدين ،بلاد ما بين النهرين ، بلاد مهد الحضارات في رفد البشرية بأصول العلوم والمعارف والفلسفة والكتابة والزراعة .سيجول في خواطر ممثلي المجلس التنفيذي للمنظمة اسم العراق وتاريخ العراق ،وقصص الف ليلة وليلة ، وملحمة كلكامش ، واور وبابل العراق وسوف لن يتردّدوا  في دعم حق العراق للحصول على كرسي اليونسكو .

    – تربط العراق و منظمة اليونسكو علاقة تعاون ومشاريع مشتركة في مجال التربية والتأهيل وأصلاح ما تضّرر من متاحف وكنائس وجوامع تأريخية وأثرية وخاصة في مدينة الموصل . حصول العراق على كرسي اليونسكو سيعود بنفع كبير على العراق وعلى المنطقة ،التي عانت و تضرّرت جراء الحروب و الارهاب .

   – يعّزز العراق ما يملكهُ من مقومات ترشيح و فوز بأخرى تخّصُ الامكانات و المؤهلات المطلوبة للمُرشّح .

يتقدّم العراق بمرشّح ومنافس مؤهل لغوياً ( اللغة الفرنسية والمطلوبة ) و أكاديمياً ( شهادات عليا من الجامعات الفرنسية في اختصاص القانون وفي اختصاص علوم التربية والتعليم وفي الادارة ) ، وله خبرة اكاديمية طويلة في التدريس والبحث و الاشراف على البحوث في الجامعات الفرنسية ، وكذلك خبرة خمس عشرة سنة سفيراً و مفوضاً فوق العادة لبلده في دول و منظمات ومحافل دولية ، ومؤلفاً وكاتباً  في الفكر والسياسة والدبلوماسية والقانون والدستور ،و معروف في اوساط النخب العربية و الفرنسية .

    لنتعرّف على الشخصيات التي حظيت بمنصب المدير العام لليونسكو ، و دولهم ، منذ تأسيسها وحتى الوقت الحاضر ،كي نرى المُشترك بين مؤهلات وتجارب الذين فازوا في المنصب :

 

          – جوليان هكسلي ، من المملكة المتحدة ،من عام ١٩٤٦-١٩٤٨ ، وكان كاتباً و فيلسوفا ، وكان مختصاً في علم الحيوان ، وكان ناشطاً في انشاء المنظمات غير الحكومية .

       – خايمي توريس بوديت ، من المكسيك ،من عام ١٩٤٨-١٩٥٢ ، وكان استاذاً في الادب الفرنسي ،وكان دبلوماسياً لبلده في بلدان اوروبية .

    -جون و تيلور ، شغل المنصب لعام واحد ، حتى عام ١٩٥٣ ، وكان استاذاً في الفلسفة في ابرز الجامعات الامريكية والاوربية .

    -لوثر إيفانز ،من ١٩٥٣-١٩٥٨ ،من امريكا ، وكان مختصاً في السياسة و العلاقات الدولية .

  -فيتوريو فيرونوزي، من ١٩٥٨-١٩٦١ ، من ايطاليا ،ومختص في القانون ، وله دور كبير في مناهضة الفاشيّة .

   – رينه ماهيو ،من ١٩٦١-١٩٧٥، من فرنسا ، استاذ في الفلسفة ثم ملحق ثقافي لبلده في لندن .

  – احمد مختار أمبو ،من ١٩٧٥-١٩٨٤ ،من السنغال ، تخرج من الجامعات الفرنسية ،وعمل استاذاً في التاريخ والجغرافية وتبوأ مناصب علمية عديدة قبل اختياره لمنصب المدير العام لليونسكو .

  – فردريكو مايور ،من ١٩٨٤- ١٩٩٩ ،من اسبانيا ، دكتوراه في الصيدلة ،عمل مساعداً لوكيل وزارة التربية والتعليم وتولى مناصب اخرى .

  -كوشيروا ماتسورا ،١٩٩٩-٢٠٠٩ ،من اليابان ،حاصل على الدكتوراه في الحقوق ،عمل سفيراً لبلاده في فرنسا .

 – أيرينا بوكوفا من عام ٢٠٠٩-٢٠١٦ ، من بلغاريا ،اختصاص علاقات دولية من جامعة موسكو ، عضوة برلمان ثم سفيرة لبلادها في فرنسا و المغرب .

  – اودري اوزلاي من ٢٠١٧-٢٠٢٥ ،فرنسا ، خريجة المدرسة الوطنية للادارة ،حاصلة على دبلوم معهد باريس للعلوم السياسية ، وتولت مناصب عديدة منها مستشارة للرئيس الفرنسي اولاند ،و من ثم وزيرة للثقافة .

 و فازت فرنسا بهذا المنصب بعد منافسة مع المرشح القطري ،الدكتور حمد الكواري .

    نستنتج مما تقدّم ما يلي :

       – تكرار تناوب الدول الاوروبية ، و خاصة فرنسا على رئاسة المنظمة ،ما يدّلُ على تأثير الصوت الاوروبي ، وخاصة صوت فرنسا ، بلد المقر العام للمنظمة .

     – تقدّمَ العراق بمرشحه الدكتور صالح الحسناوي ،في الدورة السابقة عام ٢٠١٧ ، و قرّر سحب الترشيح قبيل ،بدء التصويت ،لصالح مُرشحّ جمهورية مصر العربية ، وكانت حينها السفيرة مشيرة خطاّب .

    -لم يفزْ العرب رغم ترشح قطر ومصر لاكثر من مرّة ، حيث رشحت مصر سابقاً الدكتور فاروق حسني ، ومن ثمّ ، الدكتورة السفيرة مشيرة خطاب ، وتقدمت قطر بمرشحها الدكتور حمد الكواري السفير والوزير السابق ومستشار الامير للثقافة .

   – مِنْ حق العراق ، والذي سحبَ مرشحّه لصالح اشقائه العرب ، مطالبة اشقائه ،الآن ،بدعم مرشحّه .

 *    رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز

   القدرات – بروكسل . في ٢٠٢٣/٧/١٧ .

   

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى