طارق مزرعاني – الحوارنيوز خاص
لا بد لمن يحلل نتائج انتخابات المهندسين الاخيرة من أن يلاحظ أن هناك تغيّراً نوعيّاً في مزاج المهندسين اللبنانيين، وخصوصاً الشباب منهم ،ولهذا التغيّر أسباب عديدة أهمها:
أوّلاً – ما يتعلّق بالوضع اللبناني العام وتأزّمه ويأس اللبنانيين، والمهندسين جزء منهم، من الطبقة السياسية الحاكمة والتي أوصلت البلاد الى هذا الانهيار الشامل.
ثانياً – في ما يتعلّق بالشأن النقابي الداخلي، وفشل قوى السلطة التي سيطرت على النقابة منذ عشرات السنوات حتى اليوم، في تحقيق أي تطوير للنقابة أو حل أي من مشاكلها ومشاكل المهندسين الكثيرة.
ثالثاً -عدم قيام المجلس الحالي بأي دور يذكر لمواجهة صعوبات المرحلة وما يعانيه المهندسون من وضع مزر، كما لم يكن للنقابة أي دور ولو معنوي في ما تتخبّط فيه البلاد من أزمات، كما لم تجد لنا جواباً شافياً عن مصير أموال النقابة .
رابعاً- لم يقم مجلس النقابة والنقيب الحالي بأيّ مبادرة لحل الملفات العالقة في النقابة ،والتي دار حولها لغط كثير مثل ملفات التلزيمات والتأمين والاستشفاء وشراء العقارات بتخمينات عالية وكذلك موضوع مصاريف النقابة والتوظيف الخ.
خامساً – لم يقم المجلس الحالي والنقيب بمبادرة جدّية لتحسين وتطوير أنظمة النقابة ،وخاصةً لجهة تفعيل دور هيئة المندوبين وزيادة صلاحياتها لتصبح هيئة مراقبة ومحاسبة لمجلس النقابة والنقابة بما يشبه دور مجلس النواب ، وليس فقط هيئة شكلية مهمّتها فقط إقرار الموازنة، وهذا ما وعد به النقيب الحالي والذي كانت قوى التغيير قد عقدت آمالها عليه كونه ابن انطون ثابت ثاني نقيب للمهندسين ،وبالتالي هو من بيئة يسارية علمانية إضافة الى سجله المهني كمعماري مميز، ولكن خابت آمال المهندسين بعدما شُلّت حركته من قبل اعضاء المجلس دون ان يُظهر تمايزه او اعتراضه على ذلك .
سادساً – لم يستطع النقيب ومعه مجلس النقابة إيقاف الهدر الحاصل في إنشاء مراكز النقابة في المناطق، والتي تميّزت بالفخامة والبذخ والضخامة ،فيما البلد مفلس ومنهار والنقابة تشكو من قلّة الموارد وتآكل أموالها ،كما أنّه لا حاجة وظيفية لهكذا مباني، فأي مركز في المناطق يكفيه مبنى بمساحة ٢٠٠م مربع لا أكثر، وخاصةً في ظل العجز عن تشغيله وصيانته ورفده بالموظفين والتجهيزات اللازمة، تماماً كما هو حاصل في مركز النبطية حيث تعجز النقابة عن تعيين موظف لمساعدة الموظفين الحاليين غير القادرين وحدهم أن ينجزوا الملفات المتراكمة بالمئات، فيما تكاليف المبنى فاقت الاربعة مليون دولار حتى الآن.
سابعاً -انفكاك قسم كبير من مهندسي احزاب السلطة عن قياداتهم واعتراضهم على أداء هذه الاحزاب في النقابة وخارجها،خصوصاً بعد شح المشاريع والتلزيمات والتنفيعات والتوظيفات التي كانوا يستقطبون من خلالها او الوعد بها هذا المهندس او ذاك .
ثامناً-لاحظنا ترهّلاّ في أداء مناصري قوى السلطة الذين شبعوا او ملّو وما عاد يعنيهم أن “يناضلوا” وينشطوا ، فيما وجدنا انصار المعارضة مفعمين بروح الشباب والأمل بالتغيير.
تاسعاً -إنّ فئة المهندسين الشباب الذين تشبّعوا بروح العصر وعالم التواصل والانفتاح والكفاءة العلمية ما عاد يؤثّر فيهم الخطاب التقليدي للزعامات اللبنانية الطائفية المتقوقعة والمحدودة الأفق .
عاشراً-إن التراشق الاعلامي المستمر بين مكوّنات قوى السلطة والاحتقان فيما بينهم ،جعل من الصعب إعادة لم الشمل على الأرض فجأةً و”غب الطلب” وإن حصل ذلك على صعيد القيادات ، في حين أنّ قوى التغيير تمتلك من عناصر وحدة الهدف والرؤية والاسلوب والشعار ما يكفي لخوضها المعركة بقلب واحد.
أخيراً لا بد من ملاحظة الإستنهاض الحاصل في صفوف مهندسي الحزب الشيوعي اللبناني بعد فترة شبه غياب عن العمل النقابي، فقد كان لهم دور محوري في صفوف المعارضة، وهم الحزب الوحيد الموجود علناً ضمن إئتلاف “النقابة تنتفض “، في حين يتواجد حزب الكتائب بشكل غير مباشر ومُعترَض عليه داخل جمهور الإئتلاف،وهذا يُبشّر باستعادة الشيوعيين موقعهم العريق في النقابة.
وبعد كل ما ذكرنا ورغم أنّ الدلائل تشير الى ترجيح كفّة المعارضة في المرحلة الثانية من الانتخابات، فلا بد من أخذ الحيطة والاستعداد للمعركة المقبلة، لأنّ من طبيعة الامور ان يستنفر المهزوم قواه ويتراخى المنتصر فيجب الحذر من ذلك.
وفي كل الاحوال وحتى لو لم تفز المعارضة في ١٨ تموز، فإنّ أي مجلس سيأتي سيكون مقيداً بهيئة مندوبين تستطيع معارضته ولن تكون شاهد زور بعد اليوم .
وفي ختام هذه القراءة المتأنّية لانتخابات المهندسين، فلا بد من اعتبارها ليس فقط استفتاء يدل على تغيّر مزاج المهندسين، وإنّما استفتاء عام لمزاج اللبنانيين عموماً يُبشّر بفجر جديد.
هل ستنجح انتفاضة النقابة في امتحانها الأول في 18 الجاري؟
نعم ستنجح، المهم الإبقاء على وحدتنا.
زر الذهاب إلى الأعلى