المهرّج في البلاد اللبنانية هو الحل
سُدّت الأفاق ، الجميع يتحدث عن إفلاس دولة وانهيار، عن إنتحار فردي وانتحار جَماعي،عن جريمة دم وجريمة اقتصادية، عن بطالة لبنانية وعن نزوح سوري ،عن لاجئين فلسطينيين وعن توطين محتمل، عن صفقة القرن وعن قرن الصفقةّ، عن اتفاق نووي ايراني وعن دخول حاملة الطائرات لينكولن مياه الشرق الأوسط .
البارحة إشتريت ملابس فاقعة اللون عكس لون مزاج الناس، غير متناسقة، اوسع من جسدي وأضيق من أفكاري، لوّنت بشرة وجهي باللون الزهري، وضعت قبعةغريبة الشكل على رأسي، لصقت كرة حمراء على أنفي ونظرت الى نفسي في المرآة، لأوّل مرّة تتطابق صورة نفسي مع صورة روحي ومع صورة جسدي، صرت اشبه الشعب تماما، أنا الشعب، مهرّج مضحك، مهرّج حقيقي، الآن ما عاد أحد بقادر أن يميّزني عن باقي الناس، الحمدلله صرت أشبههم الى قدر بعيد، حتى الملائكة أخبرتني ان الربّ سأل عنّي، أسأل عن مئة ملثم وشجاع ، اخباري تسلّيه، اخبروني انه إفتقدني، إختلطت عليه سمات وجهي بسمات القهر الضاحك و غنى الحرمان، لا الومه لماذا سلّط المجرمين على الأبرياء؟…
أنا المهرّج، أنا الشعب…
توجهت الى منزل الزعيم، كبير من بلادي، في ذمّته ما لا يقلّ عن عشرة الاف شخص بين قتيل وجريح، في نبذة حياته ما لا يقلّ عن عشرة مجازر جماعية ومئات الكمائن والمتاريس العسكرية، من أملاكه واملاك عائلته مصرف وابراج سكنية وبساتين زيتون وليمون،من إنجازاته المساهمة الفعّالة في مجازر إقتصادية ومالية ومن مميزاته الدجل الراقي و المعمعة الحضارية .
ما أن شاهدني الحراس حتى تمرمغوا على الارض من كثرة الضحك، صاح كبيرهم:
-أدخلوه، لا داع لتفتيشه ، معتّر آخر زمان، مثله لا يعرف قطع ليمونة بسكين.
رفعت يداي، اخرجت جيوبي، انحنيت له كلورد انكليزي يقف عند جلالة الملكة، ما جعلهم يضحكون اكثر.
رافقني إثنان من العسكر الى حيث يجلس الفوهرر الأكبر، ما إن رآني حتى صفق بيديه ، لطم فخذيه، رجرج جسده كالهاتف الخلوي وتشنجت رجلاه حتى ظننت أنه أصيب بنوبة صرع لولا أنّه هتف ضاحكا، ولضيوفه قائلا:
انظروا ما أجمل قبعته و عينيه ،انظروا الى احمرارأنفه ويديه،انظروا الى سحاب سرواله المفتوح على مصراعيه، ما اروعه…
صفق الحضور و ضحكوا ببلاهة علما ان اغلبهم كان ينظر للزعيم وليس لي…
صاح احد المعاونين:
هيّا أرقص لنا، اسمعنا نكته!
وبسرعة بدأت بطقوس الرقص والغناء، بمناسك اللهو والمزاح، تحوّلت لبرهة لبهلوان، لرسوم متحركة، للعبة دمى، طرت بينهم وقفزت من فوقهم وسبحت بين ارجلهم وتشقلبت عند احذيتهم وفي كل دورة حول نفسي اقف واخرج جيوبي الفارغتين والممزقتين وابتسم كالأبله وانحني تحية للحضور كالنبلاء حتى كادوا من فرط البهجة والمتعة ان يبولوا في ثيابهم.
صاح الزعيم:
بربكم أخرجوه قبل ان يقتلنا من الضحك، اطعموه واكرموه ولا تدعوه يدخل اليوم، كفانا اليوم ضحكاً، ليأتينا غدا عند أوّل المساء بعد قرع جرس الكنيسة وبعد آذان العشاء.
خرجت وانا مسرور جدا وفخور بنفسي. فقد إكتشفت جريمة رائعة لا تتطابق مع جريمة القتل والدم او الجريمةالاقتصادية، جريمة لا يعرفها القضاة والمحامون والشرطة القضائية .
انا المهرّج،ً ساعود غدًا لأقتلهم من الضحك بعد ان يبولوا على ثيابهم وعلى انفسهم…