المناصفة في بلدية بيروت مخالفة للدستور(حكمت علي مصلح)

د. حكمت علي مصلح* – الحوارنيوز- خاص
يسعى المجلس النيابي إلى إقرار قانون للإنتتخابات البلدية يؤمن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في بلدية بيروت، لكن يجب أن نتريث في مثل هذه الخطوة وقراءة الموضوع من جوانبه المختلفة .
أولاً : من ناحية الرقي والتقدم في التشريع :
يجب على مجلس النواب أن يخطو في البلاد خطوات نحو التقدم وبناء المجتمع المدني المنفتح، لا أن يعود الى الى زمن القائمقاميتين حيث مثلت الطوائف في مجلس القائمقاميتين بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين .وجاء نظام متصرفية جبل لبنان بتوزيع لمقاعد المجلس التمثيلي فيه مبني على الخلل وعدم التوازن ، حيث وزعت المقاعد 5 للمسلمين و 7 للمسيحيين .
وجاء اعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 ومن ثم وضع دستور للبلاد عام 1926 والذي بموجب احكامه اجريت الانتخابات عام 1927 . في هذه المرحلة حرص المستعمر على استمرار الخلل بين المسلمين والمسيحيين في التمثيل بالمجالس النيابية المتعاقبة حيث كانت قوانين الانتخابات منذ زمن الانتداب حتى اتفاق الطائف، تحرص على ان يكون عدد المسيحيين يزيد على عدد المسلمين، فكان مقابل كل ستة نواب مسيحيين خمسة نواب مسلمين، بما عرف بنظام 6 و6 مكرر. حتى جاء الطائف بإصلاحاته الدستورية فنصت المادة 24 منه : ( إلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد التالية :
أ – بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين .
ب – نسبياً بين طوائف كل من الفئتين .
ج – نسبياً بين المناطق
ولكن هذا التوزيع الطائفي بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين مرهون بأنّ يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وهذا النص معطوف على نص المادة 95 من الدستور التي تنص (على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية ).
من هنا نقف لنقول :
إذا كان الدستور الصادر عن مجلسٍ نيابي وضع المخارج والحلول لإنهاء الطائفية السياسية في البلاد ،فكيف لقانون أدنى منه مرتبة أن ينص على مخالفته، ونعني هنا قانون إنتخاب للإنتخابات البلدية في مدينة بيروت. لذلك نؤكد :
أولاً : إنّ القول الآن إننا نريد أن نجعل المجلس البلدي يتألف مناصفة بين المسلمين والمسيحيين هو مخالف لنصوص الدستور .
ثانياً: المناصفة خدش في جبين الديمقراطية إن لم يكن تقويضا لها .
ثالثاً : المناصفة تعيدنا الى زمن العشائرية والحروب الطائفية التي دمرت لبنان، وكانت سبباً لثلاث حروب طائفية. فهي عودة إلى نظام القائمقاميتين السابق الذكر، لكن هذه المرة في العاصمة بيروت.
رابعاً : المناصفة في بلدية بيروت إذا عممت فكرتها على البلديات الكبرى في لبنان، أو صرفت بشكلٍ كامل على كافة البلديات، يعني ذلك سقوط الديمقراتية وانتفاء الأمل في بناء مجتمعٍ متعدد القدرات أساسه المدنية والحضارة وبناء مجتمع تنهش قواه الطائفية .
على أن المخرج الذي يطرح بأن تكون هنالك لوائح مقفلة تتأمن المناصفة، فهي تصيغ الطائفية بطريقة مقننة لا تختلف شكلا ولا مضمونا عن إصدار قانون يؤمن المناصفة، بل تزيد من نقمة العائلات البيروتية المقررة في كل الانتخابات، أضف إلى ذلك أنها تحجم الناخب البيروتي عندما تسلبه إرادته وحريته في الإختيار فتمنعه من صياغة نظام النهوض بالعاصمة .
أما نقل الصلاحيات من المجلس البلدي إلى محافظ بيروت، فذلك فيه استخفاف بالإرادة الشعبية التي أوصلت مجلس بلدية بيروت ورئيسه إلى السلطة .
إذاً ما هو الحل ؟
الحل يكون باتباع قانون النسبية في الإنتخبات البلدية على غرار النسبية المتبعة في قانون الإنتخابات النيابية، فتتمثل كل طائفة حسب حجمها وقدرتها على تجيير الأصوات للوائح المتنافسة .
ونؤكد أنه في لبنان كان قانون الإنتخابات البلدية يتبع دائما قانون الإنتخابات النيابية، حتى أنه قانون الإنتخابات البلدية الحالي ينص في مادته 16 ( تسري على الإنتخابات البلدية أحكام قانون إنتخابات أعضاء مجلس النواب في كل ما لا يتعارض وأحكام هذا القانون ) في دلالة واضحة على الترابط العضوي والتلازم الموضوعي بين القانونين في أهم استحقاقين اتكوين الإرادة الشعبية في إدارة البلاد .
* دكتوراه في القانون الدستوري


