د. جواد الهنداوي *
أُشّبّهُ اسرائيل بكيسِ فحمٍ ، أينَما ما أمسكتّهُ أتّسختْ يداك. كُّلُ من تعاون معها توّرط ، وندمْ وهوى ، إمّا في السقوط وإماّ في الخضوع والارتهانْ . وتتوقف سرعة السقوط او الارتهان على سرعة وحجم وعمق التعاون ، والعلاقة بينهما طرديّة ، كُلّما هرّول مُسّرعاً نحوها المتعاون ، عجّلَ في ساعة سقوطهِ او ارتهانه.
والشاهدُ على ما نقول ، هو حال السلطة الفلسطينية. المرحوم ياسر عرفات ماتَ مسموماً بعد حصار ، واكثر من حصار ، في الوقت الذي قدّمَ فيه لاسرائيل خدمة تاريخية ، لا تُقّدر! وهذه الخدمة هي اعتراف ” أهل المُلك” بملكية اسرائيل للوطن الفلسطيني.
وكذلك ، حال السلطة الفلسطينية في عهد الرئيس ابو مازن .لقد مضى الرجل بتوسيع التعاون مع اسرائيل أمنياً ، ومارست اسرائيل ، في عهده ، سياسة القضم التدريجي للقدس والضفة الغربية ، واصبحَ الرئيس لا حول و لا قوة ، و فقدَ الكثير من رصيدهِ الشعبي ، واصبحَ مُتردداً في اجراء الانتخابات الفلسطينية ،خشية خسارتها لصالح حماس والفصائل الاخرى .
وَقَعتْ دولة الامارات العربية المتحدة اليوم في الورطة ، ورطة الاعتراف باسرائيل ، والسباق مع الزمن من اجل التعاون معها . وستمارسُ اسرائيل مع الامارات سياسة الابتزاز الناعم ، وممارسة مختلف الضغوطات ووسائل الاستنزاف المعنوي و الاقتصادي .
اسرائيل تدركُ بأنَّ العلاقات مع الامارات ليست كالعلاقات مع جمهورية مصر العربية ، ولا تلك التي أقامتها مع المملكة الاردنية الهاشمية ! اسرائيل ، في كلا الحالتيّن ( مصر والاردن ) ، أعطت قبل أن تأخذْ: انسحبت من اراض مصرية واردنية ، وحصلت ،مقابل ذلك ، على سلام بروتوكولي ، رسمي ، وليس شعبيا ، وعلى تعاون محدود وعند الضرورة بخصوص القضية الفلسطينية .
اسرائيل في علاقاتها الخليجية الرسمية، والمحدودة حالياً ، مع الامارات والبحرين ، تُفكّر وتخطط كي تأخذ من دون ان تعطي شيئاً ! ماذا ينتظر الاماراتيون او غيرهم من اسرائيل ؟ هل ينتظرون انسحاب اسرائيل من اراضي اماراتية ترزح تحت الاحتلال ؟ ام ينتظرون اطلاق سراح اسرى او انهاء حالة حرب ؟
تفكّرُ اسرائيل ان تنتفعُ مادياً واقتصادياً من دول الخليج ، وتفّكرُ استخدام الجغرافيا الخليجية كساحة عمل استخباراتية وعسكرية ضّدَ كلُّ من يطالب بالحق الفلسطيني ، ويدافع عن هذا الحق . تُفكّر اسرائيل بتوظيف هذه الجغرافيا الخليجية لممارسة اعمال استخباراتية وارهابية ضّدَ ايران ، وضّدْ ايّ دولة تعارض المصالح الاسرائيلية والاطماع الاسرائيلية في المنطقة .
حروب اسرائيل في المنطقة كانت مع العرب ، وحالة العداء هي مع العرب ، حتى و إنْ أبرمت اتفاقات و معاهدات سلام مع بعض الدول العربية . و اسرائيل تحتل ليس فقط فلسطين ، وانما اراضي اخرى للعرب .
لم ولن تُقدمْ اسرائيل على محاربة ايران ، لم ولن تُقدم اسرائيل على خلق عدو آخر في المنطقة ، مُقتدر ، و قوي وبحجم ايران .
اصدقاء و حلفاء اسرائيل ، كبارا او صِغارا ، أصبحوا ،بحكم، نزعة الهيمنة والاستعلاء والتخطيط الصهيوني ، ذيولا لا سرائيل ، وها هو الغرب ، امريكا او اوروبا ، يعانون من عقدة السطوة والهيمنة الصهيونية على مقدراتهم ، حتى بعض النُخب الامريكية والاوروبية يكتبون علناً أن القرار السياسي لعلاقات دولهم الخارجية اصبحَ مُرتهناً لمصلحة اسرائيل .
لنتصّوّر كيف سيكون حال الامارات؟
ادركت المملكة العربية السعودية مخاطر الانزلاق في هذه الورطة ، و تحمّلت الكثير في عهد الرئيس ترامب ، واغتنمت فرصة خسارتهِ الانتخابات ، لتتخذ موقفاً تجاه تأسيس علاقات رسمية مع اسرائيل ،مناسباً لتاريخ وقدرات و موقع المملكة عربياً و اقليمياً ودولياً .
ارسلت المملكة رسائل الى اسرائيل ، و الى كُّل من يعينهم امر ” التطبيع مع اسرائيل ” ،سواء من خلال تصريحات رسميّة دالّة ، تؤكد على الحق الفلسطيني وحّل القضية وفقاً للقرارات الدولية ، وتتحدث ايضاً عن رغبتها في علاقات جوار متوازنة و مستقرّة مع ايران ، وكأنها تقول لاسرائيل ” أن السعودية غير معنيّة بايّ حلف او عداء ضّدَ ايران ” ، او سواء من خلال اجراءات عملية تجاه عبور الطائرات الاسرائيلة سماء المملكة .
وستستقبل المملكة سلطان عُمان ، اليوم الاحد ،بتاريخ ٢٠٢١/٧/١١، و قد سبقَ الزيارة تصريح لوزير خارجية السلطنة ، يقول فيه إنَّ عمان لن تكْ البلد الثالث المطّبع مع اسرائيل ، الامر الذي يدّلُ على ان موضوع التطبيع سيكون في جدول اعمال اللقاء ، ويدّلُ ايضاً على تماثل وجهة نظر المملكة والسلطنة تجاه التطبيع .
كما ان تصريحات السيد وليد بخاري ،سفير المملكة في لبنان ، خلال حضوره احتفالية العلاقة المئوية المارونية السعودية ،بتاريخ ٢٠٢١/٧/٩، تدّلُ ايضا على عزم المملكة على تفعيل دورها تجاه محيطها العربي المضطرب ، حيث أكّدَ السفير على وحدة جميع اللبنانين ، وعلى الانفتاح على المكونات اللبنانية ، وعلى حرص المملكة على وحدة لبنان . لم نقرأْ في التصريح ايّ اشارة سلبية صريحة او ضمنيّة تجاه مكوّن او دولة .
تشهد و تراقب المملكة الآن فشلَ سياسة وضغوطات الرئيس السابق ترامب تجاه المنطقة وتجاه قضية فلسطين:
جمّدَ الرئيس بايدن صندوق الاستثمار الابراهيمي ، ومشاريعه المشتركة بين الامارات واسرائيل ، والذي بدأَ بمبلغ ١١ مليار دولار ، قرار اغاظ الامارات وبدّدَ سعيها وجعلها في حيرة ، كما اغاظ اسرائيل . تصريحات امريكية رسميّة حول ضرورة تفعيل حلّ الدولتيّن ، واجراءات امريكية نحو تشكيل وفد تفاوضي لاعادة الحياة بمشروع حّل الدولتيّن .
لم تلزم الصمت اسرائيل ازاء التوجّه السعودي،و لم تتوقف عن اطلاق تصريحات او تبنّي مواقف دالة على غطرستها واستخفافها بالمملكة وعن صناعة الفتن ، حيث نشرت الصحف الاسرائيلية تقريراً لمركز الابحاث القومي الاسرائيلي ، يدعو اصحاب القرار في اسرائيل الى “الزام ” المملكة بأنَّ تعيد علاقاتها مع الرئيس بشار الاسد ،لأنَّ الدور الخليجي في سوريا سيخدم المصالح الاستراتيجية الاسرائيلية ، ويحد من نفوذ ايران ( المصدر ، راي اليوم الالكترونية ،تاريخ ٢٠٢١/٧/١٠ ) .
يحاول الاعلام الاسرائيلي والصهيوني ايهام الراي العام العربي ،بانَّ التوجهّ السعودي تجاه سوريا و تجاه امن واستقرار المنطقة ، وانهاء حرب اليمن ، كان بإيعاز من اسرائيل ، وأنَّ سياسة دول الخليج مرتهنة في تل ابيب.
ادركت المملكة بأنَّ حجمها ودورها و مكانتها العربية والاسلامية مقومات ذات بُعد عربي و اقليمي و دولي واستراتيجي ، وهذه المقومات لا تسمح اطلاقاً بالوقوع في الفخ الاسرائيلي .لا يمكن للمملكة ان تصبح مرتهنة لكيان ، موصوف دولياً ، مغتصب و مُحتلْ .
تتضرر المملكة كثيرا ، ولا تنتفع امراً ، إن هي اقدمت ، كما تورّطت الامارات بعلاقات رسمية مع اسرائيل.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل
زر الذهاب إلى الأعلى