رأيمن هنا نبدأ

المقاومة في غزة أمام الخيار: الإستسلام أو الإنتحار (واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز

 

من يتمعن في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة والمؤلفة من عشرين بندا ،لا يألو جهدا كي يكتشف أنها “وثيقة إستسلام” كاملة للمقاومة الفلسطينية ،وعلى رأسها حركة “حماس” التي فقدت معظم قياداتها المقاتلة.

ولعل أقسى ما يواجه المقاومة في غزة أن غالبية الدول العربية والإسلامية والدولية رحبت بهذه الخطة،ما يحمل على الإعتقاد بأن هذه الدول بلغت مرحلة اليأس المطبق من إمكان التوصل إلى تسوية تحفظ للفلسطينيين حياتهم قبل حقوقهم المشروعة،حتى لا نقول أكثر من ذلك!

وسط هذه الأجواء تسلمت حركة “حماس” بنود هذه الخطة لدرسها واتخاذ القرار المناسب بشأنها ،في وقت بدأت تتسرب أنباء عن أن رد الحركة سيكون إيجابيا ،على الأقل بالنسبة لتسليم الرهائن ووقف الحرب وتحرير الأسرى الفلسطينيين والبدء بمفاوضات لتنفيذ بنود بقية الخطة.

ولعله من البديهي جدا أن موقف المقاومة في غزة لا تُحسد عليه ،إذ هي أمام خيارين أحلاهما مر : إما التسليم بالأمر الواقع والإستسلام لحفظ ما تبقى من رجالها ،أو الشهادة والإنتحار من خلال رفض هذه الخطة جملة وتفصيلا . فقد كان دونالد ترامب واضحا كل الوضوح في إطلاق يد نتنياهو وفريقه في غزة ودعمه بكل السبل لمواصلة حرب الإبادة ، في حال رفضت “حماس” هذه الخطة. وهذا يعني تحميل الفلسطينيين في غزة مزيدا من الموت والجوع والنزوح والدم والدمار،من دون أن يرف جفن هذه المرة للدول الداعمة للخطة الأميركية.

 ولا شك أن ثمة من يهمس في أذن “حماس” الآن ،أن احفظوا رؤوس من تبقى منكم، ووفروا على الغزّاويين مزيدا من المعاناة ، وراهنوا على المستقبل مهما طال الزمن، لإعادة تنظيم صفوف الشعب الفلسطيني وقياداته المنقسمة على نفسها. فالحق الفلسطيني لا يمكن أن يضيع ،وإن كانت جولة الباطل ساعة ،فجولة الحق كل ساعة.

لكن الشهادة لله أن هذا الخيار ليس سهلا بالنسبة للمقاومين الذين يقاتلون باللحم الحي منذ سنتين ،ولسوف يتساءل الكثيرون منهم عن أي طعم للحياة تحت حكم إدارة دولية يتزعمها دونالد ترامب وتوني بلير وأشكالهما ؟ وماذا نقول لأطفالنا غدا عن هذا التسليم والإستسلام بعد هذا الكم الهائل من الدم والدمار؟

  إن واقع المقاومة في غزة اليوم، وهذه الليلة بالذات ،يشبه إلى حد بعيد واقع الإمام الحسين ليلة العاشر من المحرم في كربلاء ،حين جمع أهل بيته وأصحابه ،وخاطبهم بكلمات خالدة مؤثرة، تُعد من أروع ما ورد في الأدب الإنساني والإيماني، إذ أظهر فيها سموّ روحه وكرمه وشهامته وإيمانه العميق.

 قال لهم:”إني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً.ألا وإني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍّ من بيعتي، ليس عليكم منّي ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يريدون غيري.”

وكان الحسين قد اتخذ قراره بالشهادة، لا البيعة ولا الإستسلام .لكنّ أصحابه وأهل بيته رفضوا ذلك أشدّ الرفض، وقالوا كلمات خالدة في الوفاء والتضحية.

فهل تقول المقاومة لأهل غزة ما قاله الحسين لأهله وأصحابه :أن اخرجوا من المدينة واتركونا وحدنا نستشهد في الميدان؟

في ظل هذا الواقع ،نحن في لبنان الذين عانينا وقاسينا وتحملنا الغرم الكبير دفاعا عن غزة وفلسطين ،لا نملي على المقاومة في غزة أي موقف ،ولا نجد كلاما ننصحها به في ظل هذين الخيارين المريرين ،ومن الحكمة أن نترك لها حرية الإختيار ،خاصة وأن مكة أدرى بشعابها، لا سيما وأننا بعد غزة ،قادمون ، ربما وعلى الأرجح، على خيار مشابه :الحرب أو الإستسلام !

 

 

    

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى