“المقارنة الظالمة” بين اتفاقي لبنان وغزة لوقف النار(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز
يحاول البعض أن يفاضل بين اتفاقي وقف النار في كل من لبنان وغزة ،مستندا إلى النتائج التي أفضى إليها حتى الآن كل من الإتفاقين ،متجاهلا الظروف الذاتية والموضوعية للبنان وغزة والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية.
ومن هنا فإن المقارنة بين ظروف الإتفاقين والمفاضلة بينهما لصالح اتفاق غزة، ظالمة للغاية،إنطلاقا من العناصر الآتية:
أولا :إن المقاومة الفلسطينية في غزة تمتلك ورقة رابحة لم تحظ بها المقاومة اللبنانية ،وهي ورقة الرهائن الإسرائيليين التي كانت حماس تفاوض عليها من موقع القوة،وهو ما لم يتوفر لحزب الله أو المفاوض اللبناني. وللتذكير فقط يمكن العودة قليلا إلى الوراء عندما كان الحزب يملك ورقة الأسرى الإسرائيليين من خلة وردة في عيتا الشعب، كيف استطاع المفاوض اللبناني تحرير المئات من المعتقلين والجثامين من اللبنانيين والعرب ،وبينهم عميد الأسرى سمير القنطار،في مقابل جثتي جنديين إسرائيليين.
ثانيا :إن ظروف غزة الديموغرافية والجغرافية مختلفة تماما عن لبنان .ففي القطاع نحو مليوني إنسان من طائفة واحدة وقفت إلى جانب المقاومة وفصائلها ،في وقت عانت المقاومة في لبنان من ضغوط صعبة ،سواء من خصومها أو من حلفائها لوقف الحرب، وحتى من داخل الطائفة الشيعية التي هُجِّرت من ديارها إلى أماكن غير متجانسة معها طائفيا ،على الرغم من احتضان معظم هذه المناطق للنازحين الشيعة ،ولكن إلى أي مدى كان يمكن أن يصمد هذا الواقع .
ثالثا: لقد لمس الغزّيون من اللحظة الأولى أن المطلوب تهجيرهم إلى خارج القطاع ،وإلغاء غزة واحتلالها من جديد ،فقرروا الصمود والموت في أرضهم ،وتحملوا المعاناة وصبروا،وازداد تعلقهم بمقاومتهم ،فخدموها برموش العيون وقدموا لها التسهيلات لمواصلة تصديها للعدوان.فهل كان هذا متوفرا للمقاومن اللبنانيين؟
رابعا:لقد تحاشت إسرائيل قصف أنفاق غزة بالعيارات النارية التي قصفت فيها معاقل المقاومة في لبنان ،سواء في الضاحية أو الجنوب أو البقاع ،خشية القضاء على الرهائن الإسرائيليين ،وهو ما وفر للمقاومة في غزة سبل حماية وحركة أفضل بكثير ساعدتها على الصمود وإتاحة المجال للمفاوض الفلسطيني للمناورة ،في الوقت الذي باتت فيه المقاومة في لبنان مكشوفة أمام العدو لأسباب ليس المجال لذكرها ،ما أدى إلى استشهاد سيدها وكبار قادتها السياسيين والعسكريين ،وضرب مخازنها من السلاح،فضلا عن عملية “البيجر” والأجهزة اللاسلكية ،كل ذلك أوهن جسم المقاومة لفترة من الزمن، ومع ذلك صمد المجاهدون وقاتلوا قتالا شرسا في الجنوب ومنعوا العدو من التقدم،وسقط منهم مئات الشهداء الذين ما تزال جثامين بعضهم في ارض المعركة حتى الآن.
خامسا:أن لبنان كان ملزما بقرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي وافقت عليه المقاومة عام 2006،وقد شكل ذلك عبئا إضافيا على كاهل المفاوض اللبناني الذي لم يستطع التنصل من الضغوط التي مورست عليه في هذا الصدد ،داخليا وخارجيا .
سادسا: في ظل هذه المعطيات لم يكن المفاوض اللبناني يملك من أوراق القوة سوى أجساد المجاهدين والمقاومين وصبر البيئة المساندة للمقاومة ،وباتت الواقعية تقتضي تقديم بعض التسهيلات لوقف إطلاق النار، بعدما تحولت المعركة إلى حرب عبثية ،وصار الوقت في غير صالح لبنان،سوى أنه استمرار للموت والخراب والدمار،وصار جل همه حماية النازحين الذين امتدت إليهم النار الإسرائيلية في كل المناطق،وباتوا يشكلون عبئا على مستضيفيهم.
بتاء على كل ما تقدم ،يقتضي النظر بواقعية إلى حقائق الأمور بعيدا عن الغلو ،وإن كان بعضه صادرا أحيانا عن “نيران صديقة” وعن حرص حريص على المقاومة وأهلها وبيئتها.