المعرفة بين الذاتيّة والموضوعيّة(عدنان عويّد)
د. عدنان عويّد – الحوارنيوز- خاص
المعرفة الذاتيّة:
المعرفة الذاتيّة هي مصطلح يُستخدم في علم النفس، كما يستخدم أيضاً في الفلسفة وعلم الاجتماع، لوصف وتحليل المعلومات التي يمتلكها الشخص عند الإجابة على أسئلة الحياة. وإن الاجابات القائمة على المعرفة الذاتيّة، تتحكم فيها المعتقدات، والمشاعر، والرغبات، والقيم الأخلاقيّة التي يتبناها الفرد، وكذلك الحالة العقليّة ممثلة بمعرف الإنسان ودرجة تقدمها. وعند الجواب على هذه الأسئلة يتطلب بالطبع إدراك ذاتيّ أو وعي ذاتيّ مستمرين. مع تأكيدنا على ضرورة عدم الخلط بين الوعي الذاتيّ والوعي بشكل عام، فهما يختلفان عن بعضهما، على اعتبار الوعي الذاتيّ هو ما يخص الوعي الذي يشكله الفرد من داخله بعيداً عن تدخل الظروف الموضوعيّة بشكل مباشر عند التعامل مع الظواهر ذاتها، حيث يكون هذا التعامل قائماً على الحدسيّة أو اللاشعور، أو بناءً على دوافع غريزيّة أو سيكولوجيّة. أما الوعي العام بأبسط صوره هو الإحساس أو الدراية (المعرفة) بالوجود الداخليّ للإنسان، والخارجي، أي المحيط به أو ينشط فيه، وتأثيرهما المتبادل على بعضهما عند دراسة ظواهرهما الماديّة والروحيّة معاً، وتعد الفلسفة الوعيّ هو جوهر الإنسان وخاصيته التي تميزه عن باقي الكائنات الحيّة الأخرى، إذ إنّ الوعي يصاحب كل حياة الإنسان وسلوكه، وهو ما يطلق عليه اسم (الوعي التلقائي) (1).
هذا مع تأكيدنا بأن معرفة الذات، وخصائص الفرد، والرغبة في البحث عن مثل هذه المعرفة، هي التي توجه وتطور مفهوم الذات. إذاً يجب أن ترتبط المعرفة الذاتية بعمليات مثل التجربة الواعية بالمحيط الذي ينشط فيه الإنسان، وبالمشاعر والمعتقدات والرغبات التي تسمح أو تساهم بتوليد وجهات النظر المعرفيّة.
أما الفَضيلة”
فهي مَيْلٌ ثابِت إلى الخير، أو قُوَّةٌ ينزع الإنسانُ بها إلى سُلوك الطَّريق القَويم للحصول على دَرَجةٌ رَفيعة في حُسْن الخُلُق. أو بتعبير آخر: تعد الفضيلة هي التفوق الأخلاقيّ النبيل على الرذيلة، أي الوصول إلى الدَّرجة الرفيعة في حسن الخلق، وبما تتسم به الشخصيّة من صفات أو شيم الشخصية الخيرة. وعكس الفضيلة هي الرذيلة.
على العموم نستطيع القول بناءً على الموقف المنهجي العلمي في البحث القول في هذا الاتجاه: إن المعرفة الذاتيّة هي مجرد معرفة مغلوطة ومجذبة في حقيقة أمرها، وإن المهمة الكبرى عندها تتجسد في إعراف نفسك.
إن المعرفة الذاتيّة من حيث جوهرها هي معرفة مشبوهة على الدوم، وهي ليست أكثر من خداع يمارسه “كهان معرفة” متحالفون سراً أو علناً عند تحالفهم من السلطات المستبدة، ويسعون إلى إرباك الناس بمطالب لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع، وبالتالي هم يعملون على حرف نشاط الناس عن عالمهم الخارجيّ الذي يعيشون وينشطون فيه لكسب حاجاتهم الماديّة والروحيّة، ودفعهم باتجاه عالمهم الداخلي، أي عالم الحدسيّة والتأمل الذاتي البعيد على الحقيقة الموضوعيّة العيانيّة.
إن الإنسان في الحقيقة يستطيع معرفة نفسه، بقدر معرفته لعالمه الخارجي المحيط به، الذي ينشط ويكدح فيه للحصول على حاجاته الماديّة والروحيّة المتناميّة أو المستدامة دائما، أي العالم الذي يتحقق فيه وجود الإنسان, ويمنحه هذا الوجود ذاته، الثقة بوجوده هو ذاته في هذا الوجود.
إن الوجود في حالة دائمة من الحركة والتطور والتبدل، وبالتالي هو يقدم للإنسان دائما مواضيع جديدة. ومن خلال علاقته مع هذا الوجود, يتطلب منه أن يتأمل هذا الوجود ويفكر فيه بشكل عقلاني نقدي.
إن الفرد الذي يتقلب في هذا الوجود وفقاً لإرادته وأهوائه وحدسه ورغباته، هو يعمل من أجل إرضاء ذاته في عزلته التي فرضها على نفسه، أي هو يفكر ويمارس بما يرضي ذاته ومصالحه، وليس بما يرضي المجتمع الذي يتواجد فيه، والحقيقة الكائنة في هذا المجتمع. وعلى هذا الأساس نجد أن الايمان الحقيقي عند المتدين على سبيل المثال لا الحصر، يتحقق عندما يربط المؤمن إيمانه بالواقع الذي يعيش فيه، وبقضاياه ومصالح القوى الاجتماعيّة المتناقضة والمتصارعة فيه، وبمقاصد دينه الذي يؤمن أو يعتقد فيه، وليس بعلاقته مع الله فحسب، كما يفعل المتصوفة ووعاظ الدين السطحيين الذين يبحثون عن الفضيلة المجردة القائمة على الكلمة والتأمل, بعيداً عن نشاط الناس وعلاقاتهم ببعضهم أو مع الواقع الذي يعيشون فيه. وبالتالي فمأساة هؤلاء. تكمن في أنهم يخاطبون الناس أو يخطبون بهم من على منابرهم أو حلقات تكاياهم دون أن يكون لديهم الجديد الذي يجب عليهم قوله. لأن ما يقولونه للناس هي مواضيع أشبعت طحناً من منذ آلاف السنين .(2).
هذه هي المعرفة الذاتيّة والمعالجة الذاتيّة للدين أو غيره من قضايا الحياة، حيث ترتكز هذه المعرفة في نشاطها على الأخلاق المثاليّة الثابتة أو المطلقة، أو على التأمل والحدسيّة والحالات النفسيّة القائمة على الغريزة أو الشعور الباطنيّ، دون النظر إلى الواقع العيانيّ في حالة حركته وتطوره وتبدله، ومدى تأثير هذا الواقع المعيش بكل مفرداته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة على الأخلاق أو الفضيلة بشكل عام. ففي مثل هذه المعرفة والمعالجة الذاتيّة للدين أو غيره من الظواهر الوضعيّة تفقد “الحقيقة” مبررات وجودها. وتظل “الفضيلة / الحقيقة” كصخرة من ذهب معلقة على قمة جبل هي بحاجة لجهود عملية/ممارسة كي تنزل على أرض الواقع.
*كاتب وباحث من سوريّة
المراجع
1- راجع موقع موضوع حول تعريف الوعي.
2- (كارل لوفيت – من هيجل إلى نيتشه – ج1- تعريب مشيل كيلو – منشورات وزارة الثقافة – دمشق. 1989 – ص35.).