الحوار نيوز – فرانس برس
في ظل الإنهيار الذي شهده لبنان خلال السنتين الماضيتين لجأت المصارف اللبنانية إلى “تقليص حجمها مجبرة، للتكيف مع الأوضاع الاقتصادية المستجدة” بحسب جمعية مصارف لبنان.
ووفق الجمعية،إنخفض عدد الفروع المصرفية من 1081 نهاية عام 2018 إلى 919 فرعاً نهاية تشرين الثاني/نوفمبرالماضي ، أي بنسبة 15 بالمئة. كما تقلّص عدد الموظفين في الفترة ذاتها من 25908 موظفين إلى نحو عشرين ألفاً، أي بنسبة 23 بالمئة.
كما انخفضت محفظة التسليفات للقطاع الخاص المقيم وغير المقيم من 59 مليار دولار نهاية 2018 إلى 29,2 مليار دولار (وفق سعر الصرف الرسمي) نهاية تشرين الأول 2021.
وتعتبر الجمعية أن “التطورات المالية خلال السنتين الماضيتين في ظل استمرار التلكؤ في إيجاد حلول فرضت واقعاً جديداً على الاقتصاد ومؤسساته ومواطنيه”.
وكان حجم القطاع المصرفي قد بلغ ثلاثة أضعاف الناتج الإجمالي المحلي، وكان معدل نموه يعادل ثلاثة أضعاف معدل نمو الاقتصاد. ووسّعت مصارف كبرى نطاق عملها إلى خارج لبنان وصولاً إلى أوروبا وافريقيا.
وقدمت فروع 63 مصرفاً في لبنان فوائد عالية لجذب المودعين. وفضّل كثر في السنوات القليلة التي سبقت الأزمة إيداع أموالهم وتعويضاتهم في المصارف بدل استثمارها طمعاً بهذه الفوائد. كما قدمت تسهيلات إزاء مروحة واسعة من القروض، بدءاً من السكن مروراً بشراء السيارات والسفر وصولاً إلى عمليات التجميل.
ويقول الخبير المصرفي جان رياشي ل”فرانس برس” إن البنوك اللبنانية “لم تعد تمارس أنشطتها المصرفية تقريباً، لذا فهي مضطرة إلى تقليص عملياتها”، موضحاً أن “معظم عائدات المصارف ارتبطت بفوائد جنتها من الدولة والبنك المركزي” مقابل الديون التي منحتها للدولة اللبنانية.
ويحمّل الكثير المصرف المركزي مسؤولية السياسات النقدية التي تمّ اعتمادها طيلة عقود باعتبار أنّها راكمت الديون، لكن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة يقول إن الدولة هي التي صرفت الأموال.
ويرى المحلل الاقتصادي باتريك مارديني أنّ المصارف باتت عبارة عن “مصارف زومبي”، وهي تسمية غالباً ما تطلق على المصارف التي يتدخل البنك المركزي من أجل إبقائها على قيد الحياة. ويعتبر أن الحكومة الحالية “تبدو مهتمة بتنظيف ميزانيات المصارف” أكثر من إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
وتشكل إعادة الهيكلة إحدى البنود الإصلاحية الرئيسية في بلد حلّ عام 2019 في المرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لناحية عدد الفروع المصرفية لكل مئة ألف شخص، وفق البنك الدولي.
وقدّرت الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي حجم الخسائر المالية بـ 69 مليار دولار. ولم يعلن رسمياً بعد عن كيفية توزيع الخسائر بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف، وسط خشية المودعين من الاقتطاع من ودائعهم.
وجاء في خارطة طريق أعلن صندوق النقد الدولي في 11 شباط/فبراير عرضها على لبنان، أن “حجم الخسائر غير المسبوق في القطاع المالي يجب أن يعالج بطريقة شفافة (…) مع حماية صغار المودعين”.
ويقول رئيس جمعية المصارف سليم صفير في تصريحات لفرانس برس إن لبنان أشبه بـ”بلد متروك”، وسط تقاعس السلطات التي لم تقدم على أي “تحرّك فعلي” خلال عامين من الأزمة، سوى التخلف عام 2020 عن سداد ديونها الخارجية للمرة الأولى.
وتعتبر جمعية المصارف أنّ “أي إعادة هيكلة للقطاع خارج إطار خطة إنقاذية حكومية شاملة لن تؤدي إلى النتائج المرجوة”.
وكانت إعادة الهيكلة إحدى بنود خطة إنقاذية أقرتها الحكومة السابقة، فيما يبدو المشهد ضبابياً اليوم إزاء آلية تطبيقها.
وكان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قد قال لفرانس برس في وقت سابق إن المصارف تعمل حالياً على إعادة تنظيم نفسها وفق قدراتها، على أن يستمر بموجب عملية إعادة الهيكلة “المصرف القادر على التسليف”. لكن في الشارع، ما يقلق اللبنانيين ليس معرفة هوية المصارف التي ستستمر إنما مصير ودائعهم العالقة.
زر الذهاب إلى الأعلى