كان المشهد الأردني الأخير صادما بعض الشيء، لكنه لم يكن مفاجئا ولا غريبا.شقيق “يتآمر” لخلع شقيقه من الحكم ،بحسب التصريحات الرسمية الأردنية،في وقت لم ينكر الشقيق”المتآمر” امتعاضه من حالة البلاد والفساد التي يتغلغل فيها.
ربما يحتاج الأمر الى بعض الوقت لكي تتضح الحقائق بشكل كامل ،ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ،لكن في المبدأ لا يختلف اثنان على أن شيئا كبيرا قد حصل في المملكة الأردنية الهاشمية التي أورث الملك الراحل حسين بن طلال زمام قيادتها لولده عبد الله الثاني.
نعم لقد فعلها الحسين سابقا يوم خلع شقيقه الحسن عن ولاية العهد وعيّن نجله عبد الله وريثا للعرش.وعلى خطاه فعلها عبد الله وخلع أخاه حمزة وعيّن نجله الحسين وليا للعهد ووريثا شرعيا للملك عام 2009.لكن “الحسن العاقل” تجرع الكأس بهدوء واتزان وعزل نفسه عن صراع كان يمكن أن يشبه الصراع اليوم بين عبد الله وأخيه حمزة.
ربما على الأمير الشاب حمزة أن يشكر الله أن مملكته لا تعتمد قانون الخلافة العثمانية خلال مرحلة طويلة من الزمن،بحيث كان على الخليفة أن يبيح دم جميع أشقائه عندما يتولى الخلافة.ويذكر التاريخ أن السلطان أحمد الأول عاش طوال خلافته عقدة مضنية ومربكة حيث شاهد بالعين المجردة نحو عشرين جنازة لأخوته تخرج من باب القصر بعد أن تم قتلهم قبل تبوئه السلطة،ولذلك أقدم أحمد على إلغاء نظام قتل الأخوة ولقي ما لاقاه من معارضة ومؤامرات لخلعه عن العرش.
ولن تنسى صفحات التاريخ ما فعله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حين أقدم على اعتقال جميع الأمراء والشخصيات الفاعلة في المملكة ،وحصرهم في فندق وعزلهم عن العالم طلبا لاستتباب عهده، وهو الشاب في مقتبل العمر الذي ينشد الملك لفترة طويلة خلافا لكل عاهل سبقه في المملكة. وكانت الذريعة محاربة الفساد تماما كما يدعي الأمير حمزة اليوم.
لكن ما يُتهم به حمزة من تآمر لقلب نظام الحكم ،لا يتواءم مع القانون العثماني وأفعال محمد بن سلمان لجهة الرعاية والتغطية الخارجية للحدث .فالسلطان العثماني كان أقوى رجل في ذلك الزمان، وكانت قراراته تنبع من ذاته قوة سلطته ولا يتأثر بأي ظروف خارجية،وربما محمد بن سلمان فعلها بإرادة ذاتية فقط.ومن هنا لعله من المبالغة، الاعتقاد في هذا الزمن بأن الأمير حمزة فكر بالانقلاب على شقيقه من دون رعاية أو تغطية خارجية ،وقد سيق خلال الأيام الماضية الكثير من الاتهامات لأكثر من طرف في هذا المجال،حتى من الذين سارعوا الى الاتصال بالملك عبد الله الثاني مستنكرين ومؤيدين ،على قاعدة “عندما تقع البقرة يكثر الذبّاحون”.
في الخلاصة ثمة هزة سياسية حصلت في المملكة الأردنية ،سوف تحفّز عبد الله الثاني على المزيد من الحذر،وهذا يستدعي المزيد من التشدد لدى الأجهزة الأمنية التي لن تتورع في المرحلة المقبلة عن أي عمل من شأنه حماية العرش ،وهذا أمر طبيعي،قد تتصاعد معه الاعتقالات والتحقيقات .كما يستدعي الأمر مزيدا من الحذر في التعاطي مع المحيط ،عربا وإسرائيليين،ولسوف يتزايد انجذاب المملكة نحو الإدارة الأميركية التي يبدو من حيث المبدأ أنها لم تكن راضية عما حصل .وفي ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة بشكل عام ،سوف تكشف المرحلة المقبلة مزيدا من التطورات التي تدفع العرش الأردني الى التموضع في واحد من المحاور المتعددة التي ترتسم للإمعان في مزيد من التفتيت والتشرذم.
مرة أخرى هي “لعنة الخلافة” التي لا تراعي أخوّة ولا بنوّة.فالسلطان لا يتورع عن القيام بأي عمل عندما يشعر بخطر ضياع الكرسي ،و”الملك عقيم لا أب له ولا أم ولا إبن” كما قال هارون الرشيد لولده المأمون مضيفا:”..ولو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك”..وللبحث صلة!