“المستقبل” عائد إلى السياسة… من دون رئيسه؟(لينا فخر الدين)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتبت لينا فخر الدين في صحيفة الأخبار :
3 سنوات كاملة مضت على تعليق الرئيس سعد الحريري العمل السياسي، عندما قرّر ترك كلّ شيء خلفه ومضى إلى عزلته السياسيّة في أبو ظبي للانصراف إلى أعماله، مراهناً على أن الابتعاد لن يزعزع مكانته الشعبيّة في زعامة الطائفة السنيّة، مثلما حصل عندما «رشّق» مصاريفه السياسيّة بعد أزمته الماليّة.
رغم ذلك، كان الغياب ثقيلاً على السُنّة الذين حاول كثيرون «تناتش» ساحتهم. صحيح أن «ابن الرئيس الشهيد» بقي زعيماً للطائفة، إلا أنّه لم يعد زعيماً أوحد. هو الذي لم يتمكّن من الإطباق على الطائفة في «أيّام العز»، راقب كيف «فرّخت» الانتخابات نواباً جُدداً يبنون حيثيّتهم في غيابه، كما ولّدت الحرب على غزّة، ومن ثم سقوط النّظام السوري، انجذاباً سنياً لـ«الإسلام السياسي»، عدا عن إمكانية أن يؤثّر الرئيس المُكلّف نوّاف سلام على الجمهور السني ويعزّز النّفَس التغييري داخل الطائفة.
كل هذه الهواجس ولّدت اقتناعاً بأن احتكار التمثيل السني، أو على الأقل «القبض» على غالبيّته، بات مستحيلاً مع انخفاض حظوظه يوماً بعد يوم، في حال بقاء التيار الأزرق متمسّكاً بـ«الزُهد السياسي». ولذلك، صارت العودة إلى الحياة السياسيّة مسألة وقت، أو هكذا يشيع «المستقبليون» الذين يتحدّثون عن أجواء إيجابيّة تحيط بالزيارة المقبلة للحريري إلى بيروت للمُشاركة في الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، مؤكدين أنها ستكون مختلفة عن سابقاتها. على مستوى الحشد، يتردّد أن التحضيرات التي بدأها القياديون ومنسقو المناطق تُحاول رفع عدد الجمهور إلى ثلاثة أضعاف الذين شاركوا السنة الماضية، ووصول العدد إلى أكثر من 75 ألف مشارك. فيما ستكون زيارة الحريري أطول من سابقاتها، إذ يُحكى عن أنه سيصل قبل نحو أسبوع من موعد الذكرى، وسيبقى في بيت الوسط أيّاماً بعد 14 شباط. وعلى جدول أعماله أيضاً، رعاية وحضور حفل توقيع الوزير السابق باسم السبع كتابه «لبنان في ظلال جهنم – من اتفاق الطائف إلى اغتيال الحريري»، في واجهة بيروت البحرية في 16 شباط.
تحضيرات لوجستيّة لحشد في ساحة الشهداء… وكلمة سياسية للحريري
كذلك ستكون للحريري كلمة سياسيّة في ساحة الشهداء، للمرّة الأولى منذ ثلاث سنوات، يتطرق فيها إلى الملفات السياسيّة، معلناً دعمه للعهد الجديد، ويتحدث عن الثأر من النظام السوري، وعن المتغيّرات في المنطقة على خلفيّة خفوت وهج النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة والعودة إلى «كنف العروبة والعلاقات اللبنانيّة – العربيّة»، كمقدمة للإشارة إلى انتفاء الأسباب التي أدّت إلى تعليق عمله السياسي، وبالتالي «تحرير» تيّاره من تبعات هذا التعليق عبر التلميح إلى إمكانية عودة قيادييه إلى ممارسة دورهم السياسي استجابةً للرغبة الشعبيّة، من دون عودته للإقامة الدائمة في لبنان، على أن يزوره بين حين وآخر.
«تزييت» الماكينات الانتخابيّة
ورغم أن لا تأكيدات رسميّة لهذا الأمر، إلا أنّ بعض مسؤولي «المستقبل» يرون أنّ الأمر صار «محسوماً»، وأنهم تلقّوا تعليمات واضحة للبدء بـ«تزييت» ماكيناتهم الانتخابيّة للمشاركة في الانتخابات البلديّة في المرحلة الأولى، ومن ثم الانتخابات النيابيّة في عام 2026. ويبدأ «التزييت» بجولة على المناطق للأمين العام للتيار أحمد الحريري، يبدأها بإقليم الخروب نهاية الشهر الجاري.
كما أتت التعليمات، بحسب المتابعين، للبدء بورشة داخليّة في «التيّار» ينتج منها مؤتمر تُعلن فيه ورقة سياسية وثانية اقتصادية وثالثة تنظيميّة. وقد باتت الورقة التنظيمية محسومة تقريباً، وتتضمن إعادة هيكلة في المراكز القياديّة ستطاول العديد من المكاتب؛ من بينها هيئة مكتب الرئاسة ومجالس المناطق. ومن المفترض أن يُعقد المؤتمر الربيع المقبل، وقد يحضره الحريري شخصياً.
أين السعودية؟
اللافت أن «المستقبليّين» يشيرون إلى أن قرار العودة إلى ممارسة العمل السياسي قد لا يطاول الحريري الذي لم يقرر بعد تعليق عزوفه عن العمل السياسي. وبحسب هؤلاء، سيشمل قرار العودة «المستقبليين» على أن يكون رئيسهم مثل رؤساء الأحزاب الأُخرى (كوليد جنبلاط وسمير جعجع) ممّن لا يرأسون كتلهم النيابيّة، مرجّحين أن يُعهد إلى الأمين العام للتيار رئاسة الكتلة التي قد تعمل في السنوات المقبلة على إعادة رئيس التيّار إلى السياسة عبر تسميتها له لرئاسة حكومة ما بعد الانتخابات.
مع ذلك، لا يبدو أنّ العديد من المتابعين مقتنعون بإمكانيّة أن يُقيم الحريري هذا الفصل بينه وبين تيّاره للقفز عن الموانع السعوديّة التي أدّت إلى اعتزاله العمل السياسي ومنع قيادييه من الترشّح في انتخابات 2022، إضافة إلى أن القرار مرتبط أيضاً بالقرار العربي، وتحديداً السعودي، لتأمين المال السياسي لخوض هذه الاستحقاق. في حين أن ما يُحكى عن تلقي رئيس «المستقبل» دعماً سياسياً إماراتياً مع تغيّر الحكم في سوريا غير واقعي، مع تأكيد المتابعين أنّ مرجعية القرار العربي في السّاحة اللبنانية هي السعوديّة وحدها، ولا يُمكن للإمارات أن تلعب دوراً يتعارض مع مصالح المملكة، وهو ما ظهر بشكلٍ واضح حينما «شمّرت» قطر عن زنودها في الملف الرئاسي، قبل أن تصطدم بالرفض السعودي.
ويشير هؤلاء إلى أنهم لم يلمسوا أي متغيّر سعودي حقيقي تجاه الحريري. إذ إنّ المملكة، رغم تفعيل دورها في السّاحة السياسيّة، لا تزال مقتنعة بعدم تبني أي شخصيّة سياسيّة سنيّة، بل فتح قنوات التّواصل مع الجميع والتعامل معهم سواسيّة.
وعليه، فإنّ السؤال: هل يُريد الحريري أن يجسّ نبض السعودية في التلميح إلى عودة تيّاره إلى العمل السياسي، بعدما أوفد عمّته، النائبة السابقة بهية الحريري لتمثيله في لقاء رؤساء الحكومات مع الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان؟ أم سيستغل حياديّة المملكة تجاه جميع الأطراف السنيّة لإعادة تيّاره إلى العمل حتّى يكون بمقدوره «لمّ الشارع» في ظل المتغيرات السياسيّة؟
كلّ هذه الأسئلة لا أجوبة لها، في حال صحّت المعلومات عن رغبة الحريري في تفعيل عمل تياره السياسي، إلا إذا كانت كلّ الأجواء عن إمكانية العودة إلى العمل السياسي كلاماً في الهواء؟
«المستقبل» ووزارة الداخلية
برغم الاعتكاف عن العمل السياسي، إلا أن تيار «المستقبل» ظلّ يحظى برعاية القوى الكبيرة في البلاد، ولا سيما من قبل الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط وحتى حزب الله، وكان الرئيس نجيب ميقاتي يستجيب لطلبات تمنع تعريض أنصار التيار في الدولة للتهميش أو العزل. وكان للتيار حضوره الخاص في وزارة الداخلية. وهو الأمر الذي يظهر التيار اهتمامه به الآن أيضاً، مع الميل إلى عودته إلى العمل من بوابة الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة.
وتحدّثت مصادر عن أن تيار «المستقبل» كان يتطلع إلى لفتة من جانب الرئيس المكلّف تجاهه. وبينما تردّد أن اجتماعاً ضمّه إلى النائبة السابقة بهية الحريري، فإن مصادر متابعة لفتت إلى بروز توتر بناءً على معطيات وردت إلى «المستقبل» بأن سلام يتعرض لضغوط من النواب المعارضين للتيار في بيروت والمناطق، وأن سلام قد يختار اسماً لحقيبة الداخلية لا يكون على علاقة جيدة بتيار «المستقبل»، علماً أن سلام قال إن الرئيس جوزيف عون يرغب بأن يختار هو وزير الداخلية كونها وزارة أمنية كما هو الحال بالنسبة إلى وزارة الدفاع.
ويتحدّث خصوم الرئيس سعد الحريري من النواب عن أن علاقته لا تزال مقطوعة مع السعودية وأن الإمارات لم توافق على أي نشاط له إلا إن قرّر مغادرة أراضيها. ويتحدّث هؤلاء أيضاً عن تعزيز التواصل بين تيار المستقبل ورموزه مع قطر التي استقبلت قبل مدة الرئيس فؤاد السنيورة على هامش مؤتمرات في الدوحة، كما عقدت لقاءات مع النائبة السابقة بهية الحريري.
مُساعدات إماراتية للحريري؟
يتردّد أن الرئيس سعد الحريري طلب من الإمارات العربيّة المتّحدة مُساعدته في تأمين تمويل بعض مُنسقيات «تيّار المستقبل» في عدد من المناطق، ولا سيّما تلك التي تتابع شؤون المُدن الكُبرى، تحضيراً للحشد الشعبي الذي سيُشارك في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إضافةً إلى تمويل الحملات الانتخابية في الاستحقاقات المقبلة. ولم يُعرف ما إذا كانت الإمارات قد لبّت رغبة الحريري، أم أنّها تدرس خياراتها في تأمين المال السياسي من دون أن يؤدي ذلك إلى إغضاب السعودية.
التجديد لدرويش في بلدية بيروت؟
الحديث عن الانتخابات البلديّة المقبلة يبدو أكثر حضوراً خارج العاصمة. حيث ينتظر الجميع مآلات ملف الحكومة وسط خشية أن لا تكون قادرة على دعوة الناخبين إلى صناديق الاقتراع في أيار المقبل، بينما يظهر أن الجميع يربط خطوته بقرار تيار «المستقبل» الذي سيعلنه الرئيس سعد الحريري في 14 شباط المقبل، والذي قد يرشح عنه العودة للمشاركة في الاستحقاقات النيابيّة والبلديّة، ولا سيما المشاركة في الانتخابات البلدية في المُدن الكُبرى.
وفي ظل غياب التحضيرات، تؤكّد مصادر متابعة أنّ اللقاءات بين المعنيين بدأت من أجل العمل على تأليف لائحة موحّدة بين الأحزاب تضم جميع الاتجاهات السياسيّة، كي تضمن إرساء التوازن الطائفي بين المسلمين والمسيحيين (12 مقابل 12). وسط ميل «المستقبل» إلى الإبقاء على رئيس البلدية الحالي عبدالله درويش، وذلك بعدما فاتح الوزير السابق محمّد شقير الحريري بالأمر منذ أكثر من عام خلال زيارته إلى أبو ظبي، ومن دون أن يجد ممانعة لدى الأخير.
ويحظى درويش بتوافق العديد من الأحزاب، على عودته للترشّح إلى الرئاسة مرّة جديدة، خصوصاً أنّ «عهده يُعد ناجحاً بعدما تمكّن من المحافظة على التنسيق مع محافظ بيروت والأعضاء الآخرين من دون خلافاتٍ تُذكر»، على حدّ تعبيرهم. وإلى جانبه، يحظى المحامي محمّد بالوظة بتوافق العديد من القوى الحزبية باعتباره مستقلاً ويمتلك علاقات مع جميع الأطراف وأحد الوجوه الشابة والفاعلة على الأرض، كوْنه أيضاً عضواً في «اتحاد جمعيات العائلات البيروتية». ومن المفترض أن يبدأ المرشح إلى العضوية، حسن شاكر، (نجل نائب رئيس الاتحاد العربي لكرة السلة ومدير الأنشطة في نادي الرياضي، بيروت جودت شاكر)، اتصالاته بعدما أبدت قوى عديدة رغبتها في أن ينضم إلى اللائحة الموحّدة باعتباره وجهاً جديداً ونشيطاً.