طلال الامام /ستوكهولم
لم تكن مسألة عدم المساواة بين المرأة والرجل موجودة منذ بدء تكون الحياة على الكرة الارضية. فقد عرفت البشرية ما يعرف بنظام الامومة كشكل من أشكال المجتمع ،تكون فيه السلطة للمرأة سواء في الفضاء الأسري أو الاجتماعي أو السياسي. فالأبناء فيه يُنسبون إلى الأمّ، وينحصر حقّ الإرث في فرع الأمّ في سلسلة النسب، هذا فضلاً عن أنّ الزوج يقطن مع عشيرة الأمّ. كما مرت البشرية بمرحلة من عمر البشرية كانت الألوهة تعزى للأنثى لأنها هي التي كانت تهب الحياة بحملها وولادتها ،وكانت قيادة المجتمعات المشاعية لها .. فظهرت في تاريخ البشرية مئات النساء الإلهات: عشتار . إنانا . مايا. عناة. عشتروت. إيزيس. افروديت. أثينا. اللات. مناة. العزى . إلى أن تغير الزمن بفعل هيمنة الرجل التدريجية على مقاليد الحكم وقيادة القبائل والمجتمعات، فأخذت الألوهة تعزى للرجل.
الملفت في الامر ويستحق التوقف عنده ان عصور الأمومة وسيادة الأنثى الإلهة التي يقدرها المؤرخون من ثلاثين إلى خمسين ألف سنة لم تشهد أي حروب مدمرة كما لم تشهد إقامة جيوش جرارة من اجل شن الحروب والتوسع في الأرض وسبي النساء والإستيلاء على أراضي الآخرين ، كما لم تشهد صنع أدوات حربية ، فقد كان الإنسان يهتم بقوته ، ويؤسس للزراعة، ويصنع أدوات للصيد ولمكافحة الوحوش المفترسة ، ولتناول الطعام ، وحفر الكهوف للإقامة، وفيما بعد بناء البيوت الطينية.
لكن ومع تطور المجتمعات ومتطلبات وسائل الانتاج وانقسام المجتمعات الى من يملك ومن لايملك بدأت سلطة الانثى تتأكل مع صعود لدور الرجل كون الانتاج يتطلب جهدا عضليا لايتوفر دوما عند الانثى، استغل الرجل هذه الناحية لتعزيز سيطرته مع انكفاء تدريجي لدور المرأة وسيطرة الرجل …وانحصار دور المرأة بشكل اساسي في شؤون البيت والانجاب.
شغلت مسألة عدم المساواة بين المرأة والرجل عقول الكثير من الفلاسفة، المفكرين والسياسيين ورجالات التنوير. ونتيجة لذلك حققت بعض البلدان خطوات هامة مقوننة في مسألة المساواة وان كانت ليست تامة، بينما مازالت الكثير من المجتمعات تعاني ليس فقط من عدم المساواة بل وفي اضطهاد المرأة تصل احيانا لحد القتل “غسلا للعار “.
إن أسباب وجذور قضايا حقوق المرأة وعدم مساواتها بالرجل متعددة، يمكن الاشارة الى اهمها:
* الموروث الاجتماعي والقيم البالية في النظرة لدور المرأة ( تصوير الانثى عار ، وأد الفتيات وما الى ذلك ) .
* دور الاديان التي كرست دور الرجل باشكال مختلفة وربطت الخطيئة بالمرأة وصورتها على هيئة شيطان واغواء ( منذ ماقبل تفاحة ادم والى الى الان ) وربطت مفاهيم الشرف والاخلاص بالجنس.
* التشريعات والقوانين التي تعزز سيطرة الرجل على المفاصل الاساسية في الاسرة والمجتمع والسياسة.
* الوضع الاقتصادي للمرأة وربطه بالرجل .التحرر الاقتصادي للمرأة هو الخطوة الاساسية الاولى لتحرر ومساواة المرأة بالرجل، وتمكينها من اتخاذ القرار عندما تتعرض لأي شكل من أشكال التمييز.
*الملفت للنظر ان هناك بعض النسوة اللواتي يبررن سيطرة الرجل، بل ويقفن ضد اية محاولة لتحريرهم من تلك السيطرة ومساواتهن بالرجل في الحقوق والواجبات من موروثات اجتماعية بالية اودينية. هذا باختصار شديد بعض اسباب عدم المساواة. من ناحيتي اعتقد ان المساواة الحقيقية تبدأ بقوننة المساواة في الحقوق والواجبات .تترافق مع حملة توعية اجتماعية شاملة للرجل والمرأة حول المساواة بين الجنسين تبدأ من تغيير المناهج التعليمية، وحماية حق المرأة مع عقوبات على من يرتكب افعالا تعارض ذلك ( خاصة في مجالات الزواج، الطلاق، مايسمى بجرائم الشرف، التمييز في العمل وفي قيادة المجتمع ) .
أود الاشارة الى ظاهرة اعتبرها خطرة وتلحق اكبر الضرر بقضية مساواة المرأة بالرجل. هناك دعوات انثوية تعمل لرفع الاجحاف عن المرأة عبرالحاق هذا الاجحاف بالرجل تحت شعار المساواة. لايمكن للمرأة ان تتحرر تماما اذا لم يتحرر الرجل، وإلا فاننا
ننقل التمييز/ الظلم من جهة لاخرى. لايمكن للمرأة ان تتحرر اذا لم يتحرر الرجل والعكس صحيح .ولايمكن بدء تحقيق المساواة التامة إلا في مجتمعات علمانية وغير طبقية ولاتقوم تشريعاتها على اسس دينية.
المشوار طويل ومعقد لكن لابد من قطعه من قبل كل التنويريين المؤمنين فعلا بالمساواة الحقيقية بين المرأة والرجل.
* مداخلة في التجمع العربي للتنوير
زر الذهاب إلى الأعلى