كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
تعالوا نناقش المسألة بقليل من العقل والمنطق، وبكثير من الهدوء،بعيدا عبارات التجني والاتهام والشتائم..
الموقف الخليجي من لبنان الذي صاغته المملكة العربية السعودية خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى الرياض ،وحمله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الى دول الخليج وظهّره في خمسة بيانات متطابقة،يعني في مقدمة ما يعنيه :”أيها اللبنانيون ،ليس لديكم ما تقدمونه لنا،فلا تتعبوا أنفسكم في التواصل والوساطات والزحف والانبطاح”.
ملخص الموقف السعودي ،الذي صار خليجيا، أن أي مساعدة للبنان تتطلب “إصلاحات جذرية ونزع السلاح غير الشرعي”.ويعرف السعوديون خاصة والخليجيون عامة ،أن هذين المطلبين – الشرطين أكبر من طاقة لبنان في هذه المرحلة ،وقد كان وزير الخارجية عبد الله بوحبيب واضحا كل الوضوح في تصريحاته الأخيرة في هذا المجال.
يعني هذا في أول ما يعنيه أن استقالة وير الاعلام جورج قرداحي طارت أدراج الرياح.فقط،وانطلاقا من هذا الواقع،صار في إمكان ولي العهد السعودي استقبال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي براحة،ولا شيء يمنعه من ذلك ،طالما أن المسافة بين لبنان والسعودية تحددت على درب “المستحيل”.ويعرف نجيب ميقاتي سلفا ،إذا ما قدر الله له “العمرة” وزيارة البيت الحرام ،أن محمد بن سلمان سيكون مستمعا أكثر منه متحدثا. فماذا يمكن لميقاتي أن يقول في هذا المجال؟
“إننا يا سمو الأمير نعمل على تحقيق الإصلاحات المطلوبة ،لكن صعوبات جمة تواجهنا ،وقد تتطلب وقتا لم تمنحونا الفرصة المطلوبة لتحقيقه، فلا يعود فيه لبنان قابلا للإصلاح ،لذلك نأمل في هذه المرحلة أن تمدوا لنا يد العون على كل المستويات لمساعدتنا على إنجاز هذه الإصلاحات.فاللبنانيون منقسمون في هذا المجال ،وليس سرا أن تحقيق الاصلاحات عشية انتخابات هو ضرب من الخيال .لذا، نريدكم كما كنتم دائما ،سندا وعونا لنا في تحقيق التفاهم بين اللبنانيين مثلما كنتم في الطائف ،حضانة ورعاية واستيعابا”.
سيضيف ميقاتي:أما السلاح غير الشرعي ،والمقصود به سلاح حزب الله بالتحديد،فهو أمر أكبر من طاقتنا في هذه المرحلة،وقد سعينا سابقا ونسعى دائما لمعالجة هذه المسألة الشائكة من خلال الاستراتيجية الدفاعية ،لكننا اصطدمنا بحوائط كثيرة ،وما زلنا ندور في حلقة مفرغة في هذا المجال.وقد كنت شخصيا أول من طرح مسألة “النأي بالنفس” عن مشاكل المنطقة ،وكنت أقصد حزب الله بالتحديد.ويبدو أن لا طائل من البحث لبنانيا في هذا الموضوع قبل تحقيق التفاهم في المنطقة ،والأمل أن تسفر المفاوضات النووية الجارية في فيينا عما يحقق التفاهم في هذا المجال.والى أن يتم ذلك نأمل أن تتفهموا واقعنا ،لنعبر معا الى جادة الأمان والاستقرار”.
هنا ينتهي حديث نجيب ميقاتي.وواهم من يعتقد أن رئيس حكومة لبنان قادر على تقديم تعهدات في شأن المطالب السعودية الخليجية،أو عقد صفقة سياسية يعرف سلفا أنه عاجز عن الوفاء بمقتضياتها،اللهم إلا التعهد باستمرار المساعي والجهود من أجل هذا الغرض.فدولته رجل أعمال ناجح ،ويعرف مقتضيات الصفقات جيدا ،مثلما يعرف أن محدثه أكثر غنى وأكثر ونفوذا .
في الخلاصة قد ينتهي اللقاء المفترض بين الأمير وصاحب الدولة بوعد يعيد السفير السعودي أو من يمثله الى لبنان.وسوف يهلل بعض اللبنانيين لهذه الخطوة ويشكرون النعمة التي أنعم بها سموه على البلد.لكن هذه المسألة لا تتعدى الشكليات في ظروف لبنان الراهنة.فالمملكة التي سبق أن فرشت نعمها على لبنان ورعت سلمه واستقراره ،لم تعد هي المملكة نفسها ،لدرجة أنها باتت تفضل رفع يدها عن لبنان ،وليدبر نفسه بنفسه.فثمة مشكلة سعودية في لبنان ،لم تجد لها الرياض حلا بعد ،وهي إيجاد الظهير السنّي الذي يمثل مصالحها في بلاد الأرز بعدما نفضت يدها من آل الحريري،فهل لدى نجيب ميقاتي الرغبة في أن يكون هذا الظهير السعودي على مستوى كل لبنان،في وقت لا يبدو فيه الرجل وقد خرج من بيئته الشمالية طرابلس حتى الآن؟
صحيح أن ثمة من يطمح بأن يحل محل الزعامة السنية التقليدية في الحضن السعودي،لكن هذا الأمر دونه ارتياب مشروع لدى المملكة.فلبنان بلد الطوائف والحمايات الخارجية ،ولكل طائفة “أمها الحنون” في الخارج .وإلى أن تجد المملكة رجلها الموعود في الطائفة السنية الكريمة الذي يقارع خصمها اللدود “حزب الله”،لكل حادث حديث!
زر الذهاب إلى الأعلى