كتب حلمي موسى من غزة:
تطلق الإدارة الأمريكية إشارات متتالية حول إصررها على التوصل لوقف إطلاق نار في غزة رغم كل التقارير عن فشل أو صعوبة تحقيق ذلك وإبرام صفقة لتبادل الأسرى. وكانت آخر هذه الإشارات لقاء رئيس المخابرات المركزية ويليام بيرنز، برئيس الموساد الإسرائيلي ديدي بارنيع في عمان بعد جولة بيرنز السرية في القاهرة والدوحة.
في هذه الأثناء يزداد اتضاحا وضع الرصيف العائم الذي قررت إدارة بايدن إنشاءه على شاطئ غزة ومدى خدمته للمشروع الإسرائيلي الهادف إلى مواصلة سيطرته على القطاع بكل السبل.
وقد التقى رئيس الموساد ديدي بارنياع يوم الجمعة، سرا مع رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، لبحث مسألة الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة. وجرى اللقاء وفق مصادر إسرائيلية في ميناء العقبة في الأردن جيث أطلع بيرنز بارنيع على فحوى محادثاته في كل من القاهرة والدوحة. واعتبرت أوساط مختلفة أن جولة بيرنز السرية قبل يومين من بدء شهر رمضان لإجراء مباحثات حول تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار محاولة اللحظة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق قبل بدء رمضان.
وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قد أبلغ عائلات أسرى أمريكيين يوم الأربعاء الفائت أن إدارة بايدن تعتزم مواصلة الضغط للتوصل إلى اتفاق حتى بعد بدء شهر رمضان. وأكد أن المباحثات ستتواصل حتى في عطلة نهاية الأسبوع في مسعى للتوصل إلى اتفاق. وكان مسؤول أمريكي آخر قد أكد أن إدارة بايدن لم تعد تحدد موعدا نهائيا لمحادثات صفقة التبادل.
من جهتها أعلنت رئاسة الحكومة الإسرائيلية إثر لقاء بارنيع مع بيرنز بأن حماس تعمل في هذه المرحلة على التشدد في موقفها موحية بأنها غير مهتمة بإبرام صفقة، وأنها تسعى إلى إشعال المنطقة خلال شهر رمضان على حساب الفلسطينيين في قطاع غزة. ومع ذلك كان لافتا أن الإعلان الإسرائيلي تحدث عن التأكيد على أن الاتصالات والتعاون مع الوسطاء سيستمر طوال الوقت في محاولة تقليص الفجوات وتعزيز التفاهمات. أما بارنيع نفسه فنشر بيانا قال فيه إنه عقد لقاءً مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” وليام بيرنز، يوم الجمعة، وأنهما بحثا الجهود الرامية إلى عقد صفقة تبادل الأسرى. وأكد بارنيع، في بيان رسمي، أنه مستمر في العمل “من أجل سير المفاوضات والتعاون مع الوسطاء لجسر الهوّة، والتوصّل إلى اتفاق من أجل إخراج المحتجزين الإسرائيليين من قطاع غزة”، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وقال مسؤول إسرائيلي: “لدى حماس مصلحة واضحة في حلول شهر رمضان عندما يعاني شعبها، والعالم يلوم إسرائيل وبالتالي هذا يحسن شروطها في المفاوضات، وأن كل الوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، مجمعون على أن المفاوضات لا تتقدم لأن حماس لا تريد التوصل إلى اتفاق وليس لأن إسرائيل لا تتمتع بالمرونة”.
وعلى هامش الاتصالات لإبرام صفقة التبادل ووقف النار زعمت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الدوحة هددت بترحيل قيادات حماس عن أراضيها إذا انهارت مباحثات وقف إطلاق النار. ويذكر أن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين كرروا مرارا مطالباتهم لقطر بممارسة الضغط على قيادات حماس وصولا إلى تهديدهم بالترحيل. وليس هناك ما يثبت زعم الصحيفة خصوصا أنها نسبت الخبر إلى مصادر في حماس ومصر، وهو أمر يصعب تقدير صحته، خصوصا أن وول ستريت جورنال صحيفة مقربة لليمين، وباتت من أكثر الصحف الأمريكية نشرا لتقارير حول المباحثات في ظل اعتقاد بأن مصادرها في الغالب إسرائيلية. كما أنها الصحيفة التي أكثر من غيرها بكثير، نشرت تقارير عن خلافات بشأن المباحثات بين قيادتي حماس في الداخل والخارج وأن هذه الخلافات هي ما يعيق التوصل إلى اتفاق.
تجدر الإشارة إلى أن وول ستريت جورنال كتبت أيضا أن الوسطاء العرب في المفاوضات سيجتمعون اليوم الأحد لمحاولة الترويج لوقف قصير لإطلاق النار لمدة يومين قبل شهر رمضان، الذي من المتوقع أن يبدأ يوم الاثنين أو الثلاثاء. وقالت إن قائد حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، يطالب إسرائيل بالالتزام بإنهاء الحرب خلافا لموقف مسؤولين آخرين من قادة الحركة.
من جهة أخرى صارت أوضح صورة الرصيف العائم الذي تنوي أمريكا إنشاءه في القطاع، وكيف أنه سيكون تحت الحماية الإسرائيلية. وقال السكرتير الصحفي للبنتاغون إن “الأشغال لإنشاء الميناء ستستمر حتى 60 يوما، وأن هذا يتطلب تشغيل ألف جندي أمريكي سيكونون في البحر قبالة غزة وليس على شاطئها. وقال البنتاغون إن الجيش الأمريكي يتوقع أن يسمح الرصيف الذي سيتم بناؤه قبالة ساحل غزة في الأسابيع المقبلة بإيصال مليوني وجبة يوميا للفلسطينيين ضمن الخطة الأمريكية لمعالجة الأزمة الإنسانية هناك من دون نشر قوات أمريكية.
وقال الميجور جنرال باتريك رايدر السكرتير الصحفي للبنتاغون للصحفيين، إن بناء الرصيف البحري والطريق الذي يربطه بالبر الرئيسي سيستغرق ما يصل إلى 60 يومًا، ويتطلب تواجد حوالي 1000 جندي أمريكي. وستشارك في هذه الجهود القوات الأمريكية، بما في ذلك فرقة النقل السابعة بالجيش المتمركزة في فرجينيا، وستتضمن العملية بناء رصيف يسمح للسفن بتسليم المساعدات، والتي سيتم تحميلها بعد ذلك على سفن الدعم البحرية. وسينتقل المسار إلى موقع التسليم على الشاطئ وسيتم تأمينه على الأرض من قبل غير الأمريكيين. وبعد ذلك ستصل الشاحنات إلى الرصيف لحمل ونقل المساعدات.
وأضاف أن واشنطن تنسق مع دول أخرى في المنطقة والأمم المتحدة ومنظمات إنسانية لتحديد كيفية توزيع المساعدات بمجرد وصولها إلى البر، موضحا أن الموظفين الأمريكيين ما زالوا على الطريق أو على متن السفن.
وردا على سؤال عما إذا كان البنتاغون يعتقد أن مقاتلي حماس سيوجهون أسلحتهم نحو القوات الأمريكية العاملة قبالة الشاطئ، قال رايدر إن ذلك “ممكن بالتأكيد”. وأضاف: “إذا كانت حماس تهتم حقًا بالشعب الفلسطيني، فيمكن للمرء أن يأمل في أن تتم هذه المهمة الدولية لتقديم المساعدة للأشخاص الذين يحتاجون إليها من دون عوائق”. وسيتم تسليم المساعدات عبر قبرص، حيث سيتم فحص البضائع من قبل إسرائيل.
وقال مسؤول أوروبي إن شحنات المساعدات الإنسانية غير الأميركية إلى غزة عن طريق البحر قد تبدأ في نهاية الأسبوع. وأعلنت الولايات المتحدة – وبدعم من شركاء مهمين آخرين بالطبع ــ اعتزامها فتح الممر البحري لتسليم كميات إضافية من المساعدات الإنسانية عن طريق البحر”.
وبحسب مواقع إعلامية إسرائيلية من المتوقع أن يواجه البرنامج الأمريكي عدداً من التحديات اللوجستية والأمنية عندما يبدأ، وفقاً لما قاله جيمي ماكغولدريك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة: “ماذا يحدث بعد وصول المساعدات إلى الرصيف؟ كيف تصل المعدات على الشاحنات وتخرج للتوزيع؟ وقال: “هذه أسئلة لا أعتقد أنه تمت الإجابة عليها بعد. المشكلة التي نواجهها الآن هي أن العديد من الطرق غير نشطة، أو على الطرق المفتوحة، يصعب المرور عبر الحشود والازدحام”.
وكانت الإدارة الأمريكية أعلنت أن مهمة إيصال المساعدات للمحتاجين ستقع على عاتق جهات غير أمريكية بينها جهات عربية وفلسطينية. ورغم وضوح الدور الإماراتي في تمويل السفينة الإسبانية التي تحمل مواد ومعدات لصالح منظمة “مطبخ العالم المركزي” ،إلا أن أحدا حتى الآن لا يعرف من ستكون الجهة التي تتوى التوزيع على الأرض. ورغم أن إدارة بايدن أعلنت أنها ستتعاون مع الأمم المتحدة أيضا إلى أنه ليس معروفا مدى سماح إسرائيل للأونروا مثلا بالعودة للعمل في شمال القطاع.