المسؤولية بين تكليف وتشريف (حيّان حيدر)
شروط خاصة بالترشّح إلى الرئاسة الأولى (ومطلوب أيضًا تطبيقها على الرئاستين الثانية والثالثة)
بقلم د.حيّان سليم حيدر – الحوار نيوز
منذ ما قبل فجر الإستقلال، والنقاش يحتدم حول مواصفات الرئيس، وهو أمر طبيعي. ومع تطوّر الأحداث، المحلية والعالمية، ومعها مختلف أنظمة الحكم وأنماطها، أبدًا يدور الحوار اللبناني في الموضوع وكأنّه في بداياته، وهو أمر غير طبيعي بل معيب وتهديمي.
في موضوع الرئاسة اللبنانية لا يُخْفى على المتابع الدؤوب أنّنا نسير في الوقت الضائع، المتكرّر، وهو يطول ولا يبدو أنّه له نهاية أو حدود. ولكن، وقبل أفول أفكارنا التي قد تكون “منتِجة” في هذا المجال، ولأنّها تبقى صالحة في كلّ الأزمان، فلا بأس من تسجيل إقتراحات عملية، تقنية، مجرّدة من كلّ تحيّز. هي شروط تعمل على أن يكون فعل الترشّح لا طائفيًّا، ولا مناطقيًّا، ولا حزبيًّا، ولا جهويًّا، ونابعًا من المفهوم الطبيعي للولاية العامة.
لذلك، ولغيرها من أسباب، ومع إبتعادنا عن وضع مواصفات للرئيس المنتظر قد تذهب إلى توصيف شخصية معينة، نقترح أن تُفرَض شروط عامة على المرشّح وهي من نوع الذي يترجم القول بالفعل: “المسؤولية تكليف وليست تشريف”، وهذا قد يخفّف بدوره من التزاحم على “مغانم الرئاسة” ويُبقي الأجدر والأقرب لممارسة للولاية العامة في ميدان المنافسة، كما ويُبعِد الساعي إلى المنفعة الشخصية.
وفي ما يأتي أبرز الشروط المقترحة:
– لا يجوز أن يكون للمرشح غير الجنسية اللبنانية، حصرًا، وهذا شرط أساسيّ للسيادة (*)، والموجب هنا هو القَسَم الذي يؤدّيه كلّ حائز على جنسية غير لبنانية بالولاء التام لبلده الجديد والحرص، أولًا وحصرًا، على مصلحة ذلك البلد.
– على الرئيس المنتخب أن يرفع السرّية المصرفية عن حساباته المالية وحسابات عائلته في كلّ الأوقات وحتى عامين بعد خروجه من نطاق المسؤولية العامة.
– فور إستلام مسؤولياته يتنازل الرئيس طوعًا وفورًا عن الحصانة التي تبقى سياسية فقط وحصرًا، أي بمعنى العمل السياسي كالتصريحات وتوجيه الأسئلة والإلتزام بتنفيذ القانون وما إلى ذلك. (**)
– تبقى جميع أموال المرشّح بالعملة الوطنية.
– بعد التصريح عن أمواله المنقولة وغير المنقولة حسب القوانين المرعية، لا يجوز أن تتجاوز قِيَم ثروة المرشّح – الرئيس الموجودة خارج البلاد ما نسبته 10 بالماية من القيمة الإجمالية لثروته، والسبب، كما في موضوع الجنسية، هو التقليل من إمكانية الإرتهان للخارج، كما ولا يجوز أن تكون ثروته خلال ولايته أكبر من 1% من الناتج القومي العام أو أكثر من 3% من قيمة موازنة الدولة السنوية أيّهما أقل، والأسباب واضحة تمامًا، وذلك بالنظر إلى إمكانية فرض عقوبات مالية خارجية تضرّ بالمصلحة الوطنية، وقد أصبحت قاعدة مقبول الرضوخ لها، على الأفراد والمسؤولين وأموالهم.
– يجب أن يكون المرشّح مسدِّدًا لجميع الموجبات المالية المترتبة عليه من ضرائب ورسوم وأحكام قضائية وغيرها، أي بريء الذمة (الضمان الإجتماعي، المالية، العقارية، البلدية…) سنة بعد سنة.
بالإضافة إلى ما سبق، على المرشّح الرئاسي:
أ- الإعلان عن ترشّحه رسميًّا في مهلة أسبوع على الأقل قبيل جلسة الإنتخاب (أو التسمية في حال الإستشارات الملزمة)،
ب- على المرشّح إلى الرئاسة الإعلان عن برنامج حدّ أدنى يلتزم به ويُساءل على أساسه ويتضمّن مفهومه للسياسة والعلاقات الخارجية والدفاعية، ونظرته إلى الإقتصاد والإنماء وتوجّهاته الإجتماعية ومقترحاته الإصلاحية ورؤيته للأمور المالية والضريبية،
ج- على الموظّف المرشّح للرئاسة أن يستقيل من منصبه قبل عامين من موعد الإنتخاب، ولا يجوز، دستوريًّا، إختصار هذه المدة لأيّ سبب كان وتحت أيّ ظرف يطرأ، من منطق أنّ لا أحد لا بديل له.
وللذين يرون أنّ هذه الشروط هي تعجيزية مستحيلة نقول لا تترشّحوا لأنّكم غير مدركين للفرق بين التكليف والتشريف.
هي مساهمة متواضعة حالمة… بكلّ مسؤولية، في سبيل لبنان أفضل.
بيروت، في 5 كانون الأول 2023م. حيّان سليم حيدر
(*) – لأنّ الجنسية الثانية لها وظائف عدّة. الأولى مادية بحيث تربط الشخص بالدولة ولاءً وليس أقلّه القَسَم الذي يؤدّيه المواطن الجديد. والثانية نفسية بحيث تطمئن حاملها إلى عدم المساءلة وتفتح باب إمكانية الهروب إلى دولة الخارج تحميه من المحاسبة، وقد حصل.
(**) – على الرئيس أن يقبل أن يكون في الرئاسة مواطنًا عاديًّا خاضعًا للدستور والقانون، تلقائيًّا، آليًّا، ويمكن بل يجب مساءلته ومحاسبته بواسطة القضاء العادي المختصّ مثله مثل أيّ مواطن.