المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين يطلق مسارًا تشاركيًا نحو قانون عمل جديد(ديما زرقط)

كتبت ديما زرقط – الحوارنيوز
في مشهد يُعيد فتح واحد من أكبر الملفات الشائكة في لبنان، عقد المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين لقاءً حواريًا في أوتيل بادوفا – سن الفيل، لكشف تفاصيل مشروع قانون العمل الجديد الذي قدّمه المرصد إلى المجلس النيابي في 2 أيلول 2025، ليكون أوّل محاولة تشريعية جدّية منذ عام 1946.
الندوة لم تكن نقاشًا تقنيًا فقط، بل جاءت كإدانة صريحة لقانون ما زال يحكم سوق العمل في بلد تغيّر كلّه، فيما بقيت حقوق العمال مجمّدة في حقبة لم تعد موجودة.
الديراني: السلطة تركت القانون في الأدراج
في عرض شديد اللهجة، أكد المدير التنفيذي للمرصد، د. أحمد الديراني، أن معظم وزراء العمل الذين حاولوا تعديل القانون خلال العقود الماضية تركوا مشاريعهم «تنام في الأدراج» أو سقطت قبل أن تكتمل، معتبرًا أن المشروع الأخير الذي أعلن عنه وزير العمل الحالي لا يزال يحمل كل أمراض القانون القديم تقريبًا، ويحتاج إلى مواجهة علنية داخل المجتمع قبل البرلمان.
وأشار الديراني بوضوح إلى أن المرصد اضطر إلى تحضير مشروعه الخاص لأن الدولة “لم تقم بدورها”، ولأن قانون 1946 صار ثغرة تُستغل ضد العمال، ويحرم فئات كاملة من أبسط الحقوق الأساسية: من عمّال التطبيقات، إلى المياومين، إلى العاملين عن بُعد، وصولًا إلى الفئات الأكثر هشاشة التي تعمل بلا حماية ولا عقود
أسباب موجبة صارخة: لبنان خارج معايير العمل الدولية
وقدّم الخبير النقابي والقانوني الأستاذ عصام ريدان عرضًا للأسباب الموجبة التي تصف قانون العمل الحالي بأنه متخلّف، تمييزي، وغير إنساني، وأنه لا ينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي التزم بها لبنان نظريًا فقط.
وأوضح ريدان أن القانون الحالي:
- لا يوفّر آليات للوصول إلى العمل.
- لا يحمي النساء من التمييز.
- لا يشمل ذوي الإعاقة.
- لا يعترف بالعمل الجديد (تطبيقات، منصّات، عمل عن بُعد).
- لا يردع الصرف التعسفي.
- ولا يؤمّن بيئة عمل سليمة تمنع الحوادث والأمراض المهنية.
بكلمات أوضح:
القانون الحالي ينتج الظلم بدل أن يمنعه.
مشروع جديد يضع السلطة أمام مسؤوليتها
المشروع الذي قدّمه المرصد يرتكز على مبادئ غير مسبوقة في التشريع اللبناني:
- المساواة الفعلية بين جميع العاملين بلا أي استثناء.
- شمولية القانون لتغطية الفئات المستبعدة تاريخيًا: الخدمة المنزلية، الزراعة، البلديات، أجراء الدولة…
- اعتماد الأجر الاجتماعي بدل الحد الأدنى الوهمي.
- إلزام أصحاب العمل بالتبليغ عن العقود للضمان.
- تقييد الصرف التعسفي وتعزيز ديمومة العمل.
- آليات عدلية مستعجلة في مجالس العمل التحكيمية.
- حماية حقيقية للنقابات من تدخّل السلطة، عبر اعتماد “العلم والخبر” بدل الترخيص المسبق.
- عقوبات وجزاءات واضحة تصل إلى السجن في حال الإهمال المتعمد لإجراءات السلامة.
هذه النقاط لم تأتِ كنتيجة رفاهية تشريعية، بل كردّ على واقع فيه أكثر من 60% من القوى العاملة خارج أي حماية قانونية، وفيه مئات الإصابات المهنية تُطمر بلا محاسبة.
قلب المشروع: ضرب احتكار السلطة للنقابات
هي إحدى القضايا التي أثارت نقاشًا واسعًا كانت مسألة التنظيم النقابي. فالمشروع يلغي سلطة وزارة العمل على النقابات، ويحصر التدخل بالقضاء، ويعيد الاعتبار للحريات النقابية التي انتهكها النظام اللبناني لعقود طويلة.
هذه النقطة تحديدًا تُعد من أكثر البنود حساسية، لأنها تنزع من السلطة آخر أدوات التحكّم بالنقابات وتعيد استقلاليتها الكاملة.
معركة ليست قانونية فقط… بل سياسية واجتماعية
أن ينطلق مشروع قانون عمل جديد اليوم، فهذا ليس مسارًا إداريًا عاديًا، بل معركة تُعلن أن النظام القائم لا يريد تحديث قانون عمره ثمانية عقود، لأن بقاؤه يخدم مصالح راسخة.
المرصد اللبناني، وضع النقاط على الحروف:
إما قانون يحمي العامل… أو استمرار منظومة تستفيد من الفوضى.
والمعركة الآن انتقلت إلى المجلس النيابي، حيث سيظهر من يريد قانونًا عصريًا، ومن يفضّل بقاء العمال بلا حماية.

