الحوار نيوز – خاص
رعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى احتفال إعلان الفائز في جائزة الشاعر عصام العبدالله للشعر المحكي بنسختها الرابعة في دار الندوة في بيروت.
وقال في كلمة: “حين أقبلت على إعداد كلمتي إليكم اليوم، قلبت رأيي بين أمرين: أن أكتب خطابا بالعربية الفصحى، أو أترك الكلام يجري على رسله ارتجالا بالمحكية اللبنانية. ذلك أن من نجتمع الآن في رحاب شعره، منذ “القهوة المرة” و”مقام الصوت” وما بينهما، وصولا إلى الجائزة السنوية المقدمة باسمه، الشاعر الراحل عصام العبدالله… هو في كنه ذاته الثقافية والوطنية، شعرا وتعليما وبحوثا، وانتماء حزبيا عقائديا، وارتياد مقاه أدبية وصحبة شعراء ومفكرين، مزيج شاعري من فصحى ومحكية، قامتا على لسانه مستقيمتين مبنى ومعنى، وقدمتا بقلمه بيانا شافيا عن اتحاد ذمتهما اللغوية، كما يقول علم القانون، اتحادا إيجابيا، ينبغي لأهل الإبداع دائما أن يكونوه”.
أضاف: “وكان أن قر رأيي على كتابة خطاب فصيح، رغبة مني في الذهاب إلى عالم عصام العبدالله في حركة انزياح تعبيري معاكسة لتلك التي فعلها عندما انصرف بالكلية إلى الشعر المحكي مبررا ذلك بقوله: “كتابتي باللغة المحكية أتت من شعوري بأن أحدا ما يريد سحب لبنان من تحت قدمي. كانت انتقاما من موقفي العروبي والأممي الذي كان يعني تجاهل الانتماء الوطني”. والحقيقة أن التصادم اللبناني خلال معظم المئة الأولى من عمر الكيان، بين الهويات الوطنية والقومية والإنسانية، إنما كان في حقيقة أمره جدالا سياسيا بامتياز حول الدولة وسلطاتها وآليات الحكم فيها ومصالح المواطنين منها، وتوزيع ذلك بين المجموعات المكونة للنظام. صحيح أنه ارتدى لبوسا ثقافيا، وكان من العمق على درجة كبيرة، يغبط عليها أصحابه، إذا فكرنا في حالة النكوص الفكري الذي تعاني منه الحياة السياسية الراهنة، لكنه في النهاية قدم خلاصات كانت ولا تزال جديرة بطرحها دائما على طاولة البحث والمناقشة”.
وتابع: “سأكتفي من هذه الخلاصات بواحدة تتمثل في ما ذهب إليه بعضهم من النظر إلى لبنان بوصفه جزيرة شبه منعزلة في وسط المحيط، لا ينبغي له أن يلتفت إلى ما يحدث حوله من خير وشر. نظرة لا تزال إلى اليوم سائدة في مجالس كثيرة، لم يؤمن بها عصام العبدالله طبعا، ولكنه من قبيل التحدي لنفسه ولثقافته اتخذها عنوانا برر به انصرافه إلى الشعر اللبناني المحكي. لكن، (إحك لبناني) لا يمكن أن تعني بصورة من الصور التنكر للغة العربية، فالبنت لا تتنكر لأمها، وكذلك الانتماء إلى لبنان وطنا نهائيا لأبنائه جميعا لا يصح تفسيره بالتخلي عن القضايا المصيرية التي يتعرض لها العالم العربي في سوريا وفلسطين مثلا، لأن تخليا كهذا تأباه نواميس الطبيعة، وترفضه المصلحة الوطنية في البلد الذي يشكل النازحون واللاجئون نصف عدد مواطنيه، وهؤلاء أتوه بسبب المآسي التي نزلت بهم في أوطانهم، ما يحتم علينا استعمال كل وسيلة ممكنة مهما كان نوعها لحل هاتين المأساتين، من أجل الحق الذي تمثلانه ومن أجل مصلحة المواطنين اللبنانيين على السواء”.
وقال: “أما نواميس الطبيعة فقد أملى علينا الزلزال الأخير فصلا من فصولها، ليكشف لكل عين ترى وأذن تسمع، كيف يمكن للخطاب السياسي أن يفرغ من إنسانيته، ولا سيما في الاستجابة الدولية لآثار هذه النكبة الطبيعية على الشعبين التركي والسوري. فلقد تسارع الجميع مشكورين إلى نجدة الأتراك، فيما انكفأوا أولا عن مساعدة الشعب السوري تحت عنوان العقوبات؛ حتى إذا ارتفعت أصوات الضمير أفرج عن بعض المعونات التي نرجو أن تسهم شيئا ما في كفكفة الدموع وتضميد الجراح، مع معرفة أن المأساة تستلزم جسورا جوية لنقل جميع أنواع المساعدات الطبية والإغاثية والعينية والنقدية التي يحتاجها الشعب السوري”.
وختم وزير الثقافة: “الخلاصة التي تتجلى أمامنا الآن بحكم قواعد الطبيعة وأسس المصلحة الوطنية، هي أن الانتماء إلى لبنان، انتماء إلى الضمير الإنساني وإلى قضايا الحق السليب. هذا ما صرف عليه عصام العبدالله شعره وإبداعه بأي لهجة كتب. وهذا ما جعل الشعر اللبناني المحكي، المكتوب بقلمه وقلم سائر الشعراء اللبنانيين شعرا إنسانيا خالدا يتجاوز الحدود التي تتردد في فضائها لهجتنا المحلية. فهل يتعظ السياسيون؟ مبارك للفائزين في هذه الجائزة، وأكرم الله تعالى جهود القائمين بها، وإلى اللقاء في دورة أخرى”.
بعدها كانت كلمة لرئيسة مؤسسة عصام العبدالله سلاف العبدالله، وتناوبت على الكلام لجنة الحكم المؤلفة من المير طارق آل ناصر الدين، جرمانوس جرمانوس، محمد حمود، سمير خليفة،ومهدي منصور.
وألقى كل من الشعراء الثلاثة زينب حمادة وبشير علي الجواد ورالف حداد الذين فازوا تباعا بالجائزة في نسختها الثلاثة الاولى، قصائد بالمناسبة، ثم تم الإعلان عن الفائز بالجائزة لهذا العام وهو انطوان خليل الذي ختم بقصيدة.
يذكر ان الاحتفال جرى في حضور نخبة من المثقفين وكان عريفه ورد عصام العبدالله.