حرب غزةرأيسياسة

وحده الموت في غزة.. يقهر الاحتلال والجوع والحصار (واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز

لا يعرف المرء كيف يتعاطى مع المشاهد الواردة من غزة عن مآثر الجوع والتجويع الذي يعاني منه أهالي القطاع .

لا يمكن أن تتبلد المشاعر إلى درجة الإعتياد على مشاهد الهياكل العظمية للأطفال والمسنين الذين عضّهم الجوع بأنيابه ،فيما ينظر العالم بهذا القدر من عدم الإكتراث لما حصل ويحصل.

نتأثر،نصرخ، نلطم،ننتحب ،نبكي ..نكفر (أستغفر الله ربي وأتوب إليك)..لكن لا حياة لمن تنادي!

تسأل الصحافية الفلسطينية المقيمة في غزة مها الحسيني ببراءة: ما الذي يجول في ذهن شخص ما عندما يأخذ أنفاسه الأخيرة بسبب الجوع؟

مها الحسيني الحائزة على جوائز والناشطة في مجال حقوق الإنسان تجيب :

لديّ فكرة عمّا يدور في ذهن شخص وهو على وشك الموت في غارة جوية. هذا ما يفعله معظم سكان غزة …أفهم أيضًا نوع الأفكار التي تسيطر على من يموتون بسبب نقص الرعاية الطبية…لكن الموت جوعًا أمرٌ مختلف. أتخيل شخصًا مُستلقيًا على سريره، يموت في صمتٍ مُطبق – صمتٌ قويٌّ لدرجة أنه يُميت العظام والعضلات واللحم والدم. صمتٌ أقوى من ١٢٥ ألف طن من المتفجرات التي أُلقيت على غزة خلال الواحد والعشرين شهرًا الماضية. صمتٌ يُبقي الحدود مغلقةً ويُمنع دخول الطعام.

ماذا يشعرون وهم يعلمون أنهم نجوا من آلاف الغارات الجوية وقذائف المدفعية والإعدامات الميدانية والأوبئة وانهيار النظام الصحي، فقط ليموتوا لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على الحد الأدنى من السعرات الحرارية التي يحتاجها الإنسان للبقاء على قيد الحياة؟

هل يشعرون بالخيانة من قبل الإنسانية؟ أم أنهم يفكرون في الطعام فقط، ويتوقون إليه؟ هل يتخيلون أنفسهم حول طاولة كبيرة، محاطين بعائلاتهم، والبخار يتصاعد من الأواني الساخنة، والضحك يملأ الجو، ورنين الملاعق والشوك على الأطباق الزجاجية؟هل يحاول عقلهم الفاشل تذكر آخر وجبة تناولوها؟ هل يبدأ بخداعهم ليشموا رائحة طبقهم المفضل؟

 

تضيف: ربما يكون الطعام آخر ما يفكرون فيه في تلك اللحظة. ربما، ولأول مرة منذ شهور، يشعرون بالشبع – ليس في معدتهم، بل في أرواحهم. ربما يشعرون بالاكتمال؛ لم يعد بإمكانهم فقدان أجزاء من أنفسهم، أو أجزاء من كرامتهم، وهم يصطفون في طوابير للحصول على وجبة ساخنة أو يركضون وسط وابل من الرصاص بين حشود الجائعين قرب مركز توزيع المساعداتربما أدركوا أخيرًا أن الأمر لم يكن يستحق العناء؛ وأن العالم لم يكن يستحق محاولاتهم اليائسة للبقاء على قيد الحياة والانتماء إليه. وأنهم، ولأول مرة في حياتهم، تحرروا من الاحتلال ، بينما لا تزال دول العالم تحت الاحتلال.(إنتهى).

لا أعتقد أن أحدا غير مها الحسيني وأمثالها المقيمين في غزة قادر على وصف شعور الجوعى في غزة..لا أنا ولا غيري من الذين يتناولون ثلاث وجبات يومية بحرية مطلقة ،وقد أتخمهم الشبع.

لا أنا ولا أحد غيري، قادر على الإحساس بإذلال “ثورة الطناجر” التي تندلع يوميا في غزة للحصول على حفنة من الأرزّ أو قدر من الحساء(الشوربا) أو رغيف خبز ربما مضت أيام على صناعته.

 والمشكلة لا تنتهي هنا ، بل في سقوط عشرات القتلى من هؤلاء يوميا برصاص قوات الاحتلال التي يتلذذ عناصرها بقتل هذه الكمية من “الحيوانات البشرية “(هكذا يسمّونهم ).

أزعم أن الموتى جوعا في غزة أكثر سعادة من الأحياء القاصرين عن تناول وجبة ذليلة واحدة في اليوم. فوحده الموت في غزة يقهر الاحتلال والجوع والحصار.

ووحده الموت يعصم الجائع عن الكفر .(يُنسب للإمام علي بن أبي طالب القول: النوم سلطان لا يُرفض له أمر، والجوع كافر لا يرحم أحداً”).

ويقول الشاعر الراحل مظفر النواب عن الجوع الكافر :

خذني و امسح فانوسك في الليل

نشع بكل الاسرار

لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر

فالجوع ابو الكفار

مولاي!!

انا في صف الجوع الكافر

ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الاوزار

و اعيذك ان تغضب مني

انت المطوي عليك جناحي في الاسحار

في الخلاصة ،

نحن العاجزون عن نصرة الجوعى في غزة لا نملك إلا الدعاء: اللهم لا تمتنا هياكل عظمية ..حرصا على “الدود” في القبور .

والسلام على من اتبع الهدى.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى