الحوار نيوز – خاص
رأى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ان الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين هو شاعرَ اللفتةِ الرؤيويةِ الراسخةِ في ترابِ اللغةِ، والمتوثبةِ إلى فضاءِ الرمزِ المستقى بمعظمه من التراث العربيِّ، الصوفيِّ .”
وأضاف:”سوف يصدأ الزمانُ على الزمانِ ويبقى شعرُ محمد علي شمس الدين البيانُ المشرقُ الأقوى من صروف الزمان.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال افتتاحه المؤتمر التكريمي للشاعر الراحل محمد علي شمس الدين تحت عنوان “شعرية محمد علي شمس الدين وموقعها من الشعرية العربية والعالمية”، بدعوة من معهد المعارف الحكمية وضمن برنامجه الدوري “منتدى النقد الادبي” في المركز الصحي الاجتماعي لبلدية الغبيري، وبحضور الوزير السابق طراد حمادة ،رئيس البلدية معن الخليل واعضاء المجلس البلدي وعدد كبير من الاساتذة الجامعيين والمهتمين.
ومما جاء في كلمته: “كثيرةً كانت كلماتُ التأبين وقصائدُ الرثاء، التي تناقلتها الصحفُ والمنابرُ ووسائلُ التواصلِ عند وفاة الشاعر الكبير محمد علي شمس الدين. وله أُقيمَ أكثرُ من احتفالٍ في غير منطقةٍ لبنانية، لكنها اليومَ المرةُ الأولى التي تنعقدُ فيها حلقةٌ دراسيةٌ تتناولُ شعره بعد وفاته.
ومن يقرأْ/ ولو بسرعةٍ/ محاورَ هذه الحلقةِ وعناوينَها،/ يُدركْ/ كم أن شِعرَ الراحل ِالكبير/ غنيُّ المضامينِ بالأبعاد المعرفية الموغلةِ في أعماق النفسِ البشرية، وكم أن بيانَه الشعريَّ مُشبَعٌ بالسِّماتِ الجماليةِ التي تورقُ من خَلفها الحروفُ وتزهو وتتبختر على مِنصّاتِ السطور.
ولا عجبَ، فمحمد علي شمس الدين/ شكّل بالنسبةِ إلى أجيالٍ كثيرةٍ،/ أنا واحدٌ من أبنائها،/ شاعرَ اللفتةِ الرؤيويةِ الراسخةِ في ترابِ اللغةِ، والمتوثبةِ إلى فضاءِ الرمزِ المستقى بمعظمه من التراث العربيِّ، الصوفيِّ بخاصّةٍ، حتى إننا كنّا نشعرُ بتجليّاتِ الروح مُنسابةً من فكره أو قلبه، إلى أنامله، فقلمِه، فكلماتِه… وصولًا إلينا في نهايةِ الحبر. ولعلَّ هذه الميزةُ كانت مشتركةً بينه وبين رهطٍ من شعراء عصره، لكنه ذهب بها إلى آخِرِ القدرةِ على اكتناه الرمز وإسقاطِه فنِّيًّا على معطيات التاريخ بامتداد أزمنته من ماضٍ وحاضرٍ وآت.
ولأني لستُ ناقدًا فلا يجوز لي في شرعةِ الأدبِ أن أخوضَ أكثر في هذا الباب، أمام نخبةٍ معرفية ذات اختصاص، لكنني لا أُخفيكم اعتقادي بأنه في غدٍ حين تُكتَبُ أنطولوجيا الشعر العربي في لبنان، فإن شعراء جبل عامل وفي مقدَّمهم محمد علي شمس الدين سيحتلون صفحاتٍ باذخةَ المعاني الإنسانية، بسببٍ من بيئتِهم وقضاياها الوطنية الكبرى التي فرضت عليهم أن يقاربوا مسائل الشعر والأدب والفكر والفلسفة انطلاقًا من تلك القضايا. وهذه نقطةٌ جوهريةٌ في فهم الشعر العاملي، وشعر محمد علي شمس الدين طبعًا، لعلَّها/ يكون لها/حيزٌ في مداخلاتكم.
في يوم رحيله، كتبت، مستعينًا بعناوين دواوينه:
“الغيوم التي في الضواحي” كانت تُهرِّبُ قصائدَك على “رياحٍ حجرية” إلى حيثُ “حلقاتُ العزلةِ” و”منازلُ النَّرْدِ”، ليبتني بها “النازلون على الريح” “غرباءَ في مكانِهم” “ممالكَ عالية”.
نعم، شعرُكَ المتوَّجُ على “الشمس المرة”، “يناديكَ يا ملكي وحبيبي”: لماذا تركتَ “اليأسَ من الوردة” “يحرثُ في آبار” الحبرِ، ولا يدعُ لنا من الأبجديةِ إلا أن نكتب رثاءَك بكلماتِك؟
سينحني قليلًا جبل عامل من ثقلِ دمعةٍ في “كتاب الطواف”، وستبهَتُ القوافي وتَزفُّ حُزنَها إلى الحداثةِ الشعرية، وستسكتُ عن الغناءِ الطيورُ التي أنت أميرالُها، لأنَّ رحيلَ شاعرٍ على هذا البهاء، يأخذُ الشعر إلى المعنى الأجلِّ/ الذي هو الصمت بخشوع.
أما اليوم، وبعدما تأكد لنا أن محمد علي شمس الدين لم يرحلْ من بيننا، وأنه لا يزالُ مقيمًا في انتباهاتِنا وأحاسيسِنا، وأقوالِنا وندواتِنا، فيحضرُني قولٌ لشاعرٍ لبنانيٍّ راحلٍ أيضًا، هو الياس خليل زخريا، يخاطب فيه أبا تمام فيقول:
قل لي: أسيفُكَ أم كتابُكَ أصدقُ
هَوَتِ السيوفُ وأنتَ فوقُ محلِّقُ
صدئَ الحديدُ على الحديدِ ولم يدُمْ
إلا جناحُـكَ والبـيانُ المشرقُ
نعم أيها الحضور الكرام
سوف يصدأ الزمانُ على الزمانِ ويبقى الشعرُ وتبقى الثقافةُ ويبقى البيانُ المشرقُ أقوى من صروف الزمان.
رحم الله شاعرنا الكبير وسدَّدَ أقلامَكم في جميعِ أعمالِكم. والسلام عليكم ورحمة الله.