المرأة اللبنانية في مواجهة العنف (ماري ناصيف الدبس)
د.ماري ناصيف الدبس – الحوارنيوز خاص
قررت الأمم المتحدة التركيز في تحركاتها المتعلقة بقضية المرأة، هذا العام، على مسألة تزايد العنف الممارس ضد النساء في العالم، فأفردت للحدث الجلل ستة عشر يوما تبدأ من اليوم، الخامس والعشرين من تشرين الثاني / نوفمبر، الذي هو اليوم العالمي لمناهضة العنف، وتنتهي بعد ستة عشر يوم، في العاشر من كانون الأول / ديسمبر، أي في اليوم العالمي لحقوق الانسان.
وإذا كانت المنظمة الدولية – مشكورة – تكثر من الأيام العالمية والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، والمرأة على وجه الخصوص، إلا أن الأيام تمر، ومع مرورها ينسى الحدث، خاصة وأن حكومات العالم، وبالتحديد الدول الرأسمالية الكبرى، يمكن لها أن تتحفظ على ما تريد وتختار للتطبيق ما تريد دون أي إمكانية لإلزامها بتنفيذ ما يتم التوافق عليه، أو، خاصة، ما تمهره بتوقيعها.
لنأخذ ما يجري في لبنان كمثال.
وقّعت حكومتنا على “الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل” التي تعتبر كل من هم دون الثامنة عشرة أطفالا، والتي تؤكد على ضرورة تمتع الطفل بحماية خاصة وحقه في أن يكون له إسم وجنسية وفي أن يتعلّم وينمو في بيئة سليمة، كما تحظّر حمله على العمل قبل اكتمال نموه… إلخ. .. فماذا ينفّذ من كل ذلك؟ لا شيء بالطبع. بل إننا نجد حكوماتنا تمارس عكس ما أبرمته، والتسرب المدرسي وزواج القاصرات وارتفاع نسبة عمالة الأطفال تشهد على ما نقول.
أما “الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، فغير ظاهرة، إلا باستثناءات بسيطة؛ بل إن الحكومات اللبنانية رفضت، منذ العام 1996، إلغاء التحفظات عنها رغم إلحاحنا، وتجاهلت حتى موادا وبنودا أساسية منها، بدءا بالمقدمة التي تشير إلى القلق من “حالات الفقر وسوء التغذية وتدني نصيب النساء من الصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الأخرى”، ووصولا إلى المواد التي تلي والمتعلقة بالموافقة على تغيير القوانين من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية وتغيير الأنماط الاجتماعية والسلوكية، بما يكفل لنا، نحن النساء اللبنانيات، حقوقنا الأساسية عبر المساواة في ميادين التعلم والتوجيه المهني والوظيفي، وفي العمل، بالتالي، والرعاية الصحية والقوانين… بما في ذلك مواجهة العنف واتخاذ “جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة.
ما هي حالنا، اليوم، خاصة بعد جائحة كورونا وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، في غياب، أو انهيار، كل المؤسسات الدستورية، وسيطرة أمراء الطائف وقادة الأحزاب الطائفية على مقدرات الوطن، ومع وجود أكثر من أربعين بالمئة من سكان لبنان من النازحات والنازحين السوريين واللاجئات واللاجئين الفلسطينيين
يمكن القول أن ما نجحت به الطبقة المسيطرة في النظام الرأسمالي اللبناني، التابع والمتخلّف، هو تحويل الأغلبية الساحقة من المقيمين في لبنان، والنساء منهم بالتحديد، إلى فقراء وعاطلين عن العمل، أو باحثين عن لقمة العيش في كل أقطار الدنيا يتسللون إليها عبر قوارب الموت التي أودت بحياة عائلات بأكملها، دون تفرقة بين رجل وامرأة وطفل رضيع.
ثمانون بالمئة من الشعب اللبناني أصبحوا تحت خط الفقر، وثلاثون بالمئة تحت خط الفقر المدقع. والنساء هنا يشكّلن النسبة الأكبر، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار العدد الكبير للواتي أجبرن على ترك العمل، ومن يخضعن لصفة “البطالة المقنّعة” أو يتعرضن لتخفيض أجورهن، ناهيك بالعنف والتحرش الآخذ بالازدياد، ليس فقط في ميدان العمل بل في المدارس أيضا، دون أن تعمد الوزارات المختصة إلى ملاحقة القضايا التي تعرض أمامها… ولا ننسى العنف الأسري، وخاصة العنف القاتل للنساء، الذي ازداد باعتراف القوى الأمنية أكثر من مئة وثمانين بالمئة هذا العام.
جرائم وحشية هزّت الضمير الانساني، ما عدا ضمائر المسؤولين، وإرهاب وعنف يزداد يوما بعد يوم دون رادع.
كيف نواجه؟
صحيح أننا نصر على أولوية القانون في المواجهة؛ غير أننا، وبانتظار أن تعود دولة القانون إلى الواجهة، لا بد من أن نتحرّك بأشكال مختلفة، لعل أولها تطوير دور التوعية والدعوة إلى كسر الصمت الذي يسمح للمجرم أن يطمس معالم جريمته.
ثم، لا بد من الخروج من مضائق الفردية و”الأنا” التي تسود لدى عدد لا بأس به من الهيئات والجمعيات العاملة في مجال حقوق المرأة، والاتجاه نحو توحيد الصفوف والكلمة، وخاصة نحو التحرك في الشارع ومع الاعلام بأشكاله المختلفة، آخذات بعين الاعتبار أن أغلبية وسائل هذا الاعلام مملوكة من قبل تلك الطبقة الفاسدة التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه من فقر وذل ومهانة، واستفادت من تقسيمنا طوائف ومذاهب ومجموعات لتسهل سيطرتها علينا…
على الحركة النسائية أن تعود إلى أصالتها وإلى التنسيق مع الحركة النقابية والشعبية التي بدونها لا يمكنها الثبات في مواجهتها المطلوبة. فالتنسيق، بل الانضمام إلى الحركة النقابية والشعبية، وممثليها السياسيين، هو الذي مكّن حركتنا في الماضي كي تفرض الاقرار بحقوقنا، بدءا بحق العمل، واستعادة المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني لجنسيتها، ولاحقا تعديل قانون العمل وقوانين وأنظمة الموظفين لفرض المساواة في الأجر والراتب وفي التغطية الصحية للعائلة، ووصولا إلى حق الانتخاب والترشح.
صحيح أن هذه الحقوق لا تطبّق كما يجب، بما يعني ضروة تحركنا لوضع آليات التنفيذ الضرورية، غير أنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من القوانين. والمثابرة في هذا المجال ضورورية، بل أكثر من ضرورية، لتحسين أوضاعنا العامة بانتظار التغيير المطلوب.
والتغيير المطلوب يعني تغيير النظام في بنيتيه التحتية، الاقتصادية، والفوقية، السياسية الأيديولوجية. أي الخلاص من النظام الاقتصادي الريعي وبناء نظام افتصادي منتج، وفي نفس الوقت الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية الذي جلب لنا الوصايات الخارجية والويلات على كافة الأصعدة وبناء نظام ديمقراطي علماني. نظام يحافظ على أرض لبنان وشعبه، ولا يبيعهما في صفقات مشبوهة كتلك التي تمت في الآونة الأخيرة، إقتصاديا واجتماعيا ووطنيا، داخل لبنان ومع العدو الاسرائيلي.
*باحثة اكاديمية وعضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني