المحكمة الخاصة: لماذا يجب تنحية القاضي رياشي من غرفة الاستئناف؟
حكمت عبيد – خاص الحوار نيوز
عديدة هي الشوائب التي تضمنها النظام الأساسي للمحكمة الخاصة بلبنان وانطوت عليها قواعد الإجراءات والإثبات أيضا. ولعل العيب الأكبر في المحكمة هو إقرارها خلافا للآليات الدستورية اللبنانية على الرغم من إنفتاح الحكم آنذاك على فكرة إقرار المحكمة ،بما يضمن محاكمة عادلة وخارج أي نوع من أنواع التسييس والإستغلال الدولي كما هوحاصل اليوم.
لكن ثمة جهات دولية وعربية كانت تستعجل إقرار المحكمة بأي طريقة ووظفت لذلك مجموعة من اللاعبين في لبنان، فأجهضت محاولة جدية كانت تسير لإقرار المحكمة بنظام أساسي يكون موضع إجماع وطني لبناني لمصلحة محكمة متهمة مسبقا بالتسييس وينقسم بشأن مهنيتها اللبنانيون!
ومن الشوائب غير المبررة هو إعتماد المحكمة الخاصة خليطا هجينا بين الغاية السياسية وقانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات في لبنان، فالنظام الأساسي للمحكمة ناقض نفسه، إذ نصت المادة 2 منه (القانون الواجب التطبيق) على أنه " رهنا بأحكام هذا النظام، يسري ما يلي على الملاحقة القضائية والمعاقبة على الجرائم المشار اليها في المادة 1: (أ) "أحكام قانون العقوبات اللبناني …"، كما نصت المادة 4 (الاختصاص المشترك) على أن للمحكمة الخاصة والمحاكم الوطنية في لبنان اختصاصا مشتركا. وتكون للمحكمة الخاصة ضمن اختصاصها أسبقية على المحاكم الوطنية في لبنان".
ومن المعروف أن القوانين اللبنانية لا تمنح الحق لمحام بتمثيل متهم من دون موافقته الخطية، فيما المتشرعون ( تشريع غب الطلب) وكان من بينهم القاضي رياشي أعطوا المحكمة هذا الحق في المادة 22 من النظام الأساسي.
وهذا التشريع في المحاكمات الغيابية الذي مرره القاضي رياشي وآخرون يبدو أنه ممنوع إستخدامه في مرحلة الإستئناف وفق القاضي رياشي!
يقول رياشي في ندوة أقيمت في الجامعة اليسوعية بتاريخ 11/5/2010 إن"اعتماد المحكمة نظام المحاكمة الغيابية مبرر بسببين: فموضوع المحكمة الخاصة بلبنان هو جريمة الإرهاب وليس جرائم ضد الإنســـانية وجرائم الحرب كما هي الحال في المحاكم الدولية الأخرى، كما أن المادة 28 من النظام الأساسي للمحكمة الخاصة بلبنان أوجبت على هيئتها العامة عند وضع قواعد الإجراءات والإثبات، أن تسترشد ليس فقط بالمعايير الدولية بل أيضاً بقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني".
وتحدث رياشي عن الحالات التي تتم فيها محاكمة المتهم غيابياً في القانون اللبناني وفي المحكمة الخاصة، "فالقانون اللبناني يلحظ حالة وحيدة لمحاكمة المتهم غيابياً وهي عند تمنعه عن تسليم نفسه على رغم تبلغه قرار المهل الصادر بحقه. أما بالنسبة للمحكمة الخاصة بلبنان، فإن المادة 22 من نظامها الأساسي تحدد الحالات التي تصح فيها المحاكمة الغيابية، وهي ثلاث: عندما يعبّر المتهم صراحة وخطياً بأنه يتنازل عن حقه في حضور الإجراءات أمام المحاكمة (حالة إرادية للمتهم)، إذا امتنعت الدولة المعنية بتسليم المتهم عن تسليمه خلال مهلة معقولة (حالة غير إرادية)، وإذا توارى المتهم عن الأنظار وتعذر العثور عليه بطريقة أخرى بعد اتخاذ كل الخطوات المعقولة لإبلاغه قرار الاتهام المصدق من قاضي الإجراءات التمهيدية وضمان مثوله أمام المحكمة".
وأضاف: "في القانون اللبناني، إذا سلم المتهم الفار نفسه أو قبض عليه سواء أثناء المحاكمة الغيابية أم بعد صدور الحكم الغيابي تسقط المحكمة كل المعاملات التي أجرتها في إطار المحاكمة الغيابية من تاريخ وضع يدها على الدعوى. أما بالنسبة للمحكمة الخاصة بلبنان فإن قواعد الإجراءات لديها تفرق بين حالة بدء المحاكمة الغيابية ومن ثم مثول المتهم أثناء الإجراءات وحالة مثول المتهم بعد انتهاء المحاكمة الغيابية لا سيما بعد إعلان الحكم الغيابي. أما ماذا يحصل لو حضر المتهم بعد استئناف المدعي العام للحكم الغيابي، فان المسألة لم تعد مطروحة أمام القضاء اللبناني بعد صدور قانون أصول المحاكمات الجزائية. أما قواعد الإجراءات والإثبات لدى المحكمة الخاصة بلبنان فتجيز للمدعي العام إمكان استئناف الأحكام الغيابية، فإذا حضر المتهم بعد استئناف الحكم الغيابي من قبل المدعي العام تلغي غرفة الاستئناف الإجراءات الاستئنافية وتعيد الدعوى الى غرفة الدرجة الأولى ما لم يقبل المتهم خطياً ما قضى به حكم هذه الغرفة الأخيرة فيستمر في هذه الحال النظر بالاستئناف وفقاً للأصول الوجاهية طالما أن المتهم مثل أمامها".
وعن الاستئناف يقر القاضي رياشي أنه في القانون اللبناني، فإن الحكم الغيابي بحق المتهم الفار لا يقبل الطعن امام محكمة التمييز، وهو طبعا لا يقبل الاعتراض إنما يسقط بمجرد تسليم المتهم نفسه او القبض عليه.
والسؤال البديهي هنا كيف للمحكمة الخاصة أن تجيز لنفسها المحاكمة الغيابية للمتهمين دون موافقتهم، لا بل تعين لهم محامين بعضهم آت من مواقع سياسية نقيضة لقناعات المتهم، فيما هي تحرمهم من حق الاستئناف؟
لا تستطيع المحكمة أن تقبل بتوكيل محامين للدفاع عن متهمين غائبين وفي الوقت نفسه يقول نائب رئيس المحكمة وأحد أعمدتها الذين صاغوا، على عجل سياسي، نظامها وقواعد عمله، القاضي رياشي أنه لا يمكن لمحامي الدفاع عن المحكوم عياش أن يتقدم بإستئناف الحكم إلا بعد تسليم نفسه.
إن هذا المنطق كان يصح لو لم تقرر المحكمة توكيل المحامين الغصبي للدفاع عن المتهمين. أما وانها قبلت بتوكيل محامين في المرحلة الابتدائية فمن المنطق قبول حق الاستئناف.
وكان المحاميان إميل عون وتشاد مير، اللذان يمثلان حقوق ومصالح عياش بقرار من المحكمة، تقدما بطلب استئناف ضد الحكم بالادانة الصادر عن الغرفة الابتدائية الأولى بتاريخ 18/8/2020 والحكم بالعقوبة الصادر بتاريخ 11/12/2020.
واعتبرا أن هناك " أخطاء عديدة في القانون من شأنها أن تبطل الحكم بأكمله، وأخطاء في الوقائع تسبب في الاستنكاف عن إحقاق الحق".
ويرى الدفاع عن عياش أن "هذه الأخطاء تقتضي من غرفة الاستئناف أن تبطل كل احكام الادانة الصادرة بحق السيد عياش".
ويرى أيضا أن "أخطاء غرفة الدرجة الاولى قد أدت إلى فرض عقوبة غير متناسبة مع الجريمة بحق السيد عياش، وهي عقوبة السجن المؤبد لكل من التهم الخمس التي أدين بها تنفذ في الوقت ذاته".
في الوقت نفسه، قدم الدفاع عن عياش "طلبا إلى رئيس المحكمة بموجب المادة 25 من قواعد الاجراءات والاثبات طالبا تنحية أحد قضاة غرفة الاستئناف القاضي رالف رياشي في النظر في مسألة صفة محامي الدفاع في تقديم طلب الاستئناف نيابة عن السيد عياش. وتم تقديم هذا الطلب نتيجة لتصريحات واضحة ومتكررة أدلى بها القاضي الرياشي في عام 2010 تشير إلى أن لا حق باستئناف حكم ادانة أو حكم بعقوبة حتى يمثل المحكوم عليه أمام المحكمة".