د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
للقانون وللقضاء وظيفتان مُتكاملتان: الاولى تنفيذيّة أجرائيّة وتتلخص في تعريف وتنظيم وتقنين علاقات الانسان بأخيه وبالمجتمع وبالدولة، كذلك علاقاته بممتلكاته وبأمواله وبأحواله وحتى في اعضاء جسمه . والوظيفة الثانية، اخلاقية، معنوية بنيويّة، وهي تحقيق العدالة، وبالعدل يستقيم الانسان والمجتمع وتُبنى الدولة .
قال تعالى في سورة الاعراف ” ومِمَّنْ خَلقنا أمة يهدونَ بالحقِّ وبه يَعدلْون “. ايّ ، حسبَ ابن كثير ، ومن الأمن أمّة قائمة بالحق قولاً وعملاً يهدون بالحق يقولونه ويدعون اليه وبه يعملون ويقضون .
مجلس النواب وباسم الشعب يسّن القانون، والقضاة يراقبون ويحكمون، عند الضرورة بشرعيّة القانون، كما انهم يراقبون تطبيق القانون، ويجتمعون للحكم وللقضاء في صحة تطبيق القانون .
بدأت، والحمد لله، المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بتطبيق ما هو مطلوب منها امام الله وامام الشعب، وبداية البداية موفّقة جداً ومُبشّرة بالأمل، حيث مطلبْ العدالة ومطلب استعادة السلطة من الأحزاب واعادتها الى مصدرها ، الا وهو الشعب .
بدأت المحكمة الاتحادية العليا بمسار، انتظرناه طويلاً، وتاجر البعض به كثيراً ، هو مسار التصحيح السياسي و اصلاح المواطن والمجتمع والدولة .
حلّت المحكمة الاتحادية محلْ سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية، مُكبّلتين في عملهما ، ليس بمصلحة الشعب، وانما بالتراضي في توزيع غنائم ممارسة السلطة وبالتغاضي عن المساوئ والاستبداد في ممارسة السلطة وتطبيق القانون .
القرارت الاخيرة للمحكمة الاتحادية، والتي تناولت تفسير وتطبيق بنود دستورية ،بقيتْ ومنذ الاستفتاء على الدستور وتبنيه وسيلة للاحزاب في ممارستهم للسلطة بما لايخدم الشعب وبما لا يحقق العدالة وبما يخالف الحق و الضمير ، ويقود الى تدمير ما تبقى من الدولة.
القرارات الاخيرة للمحكمة الاتحاديّة يُعبّر عن جوهر وصلب عملها ، وهي المسؤولة عن سلامة وصحة تطبيق البنود الدستورية و القانونية ، وهي المُعّول عليها في قول الحق والحفاظ على مصلحة الشعب ، و المبادرة بشكل مباشر او غير مباشر ( من خلال قضاة المحاكم والادعاء العام والمواطن ) على رصد الانتهاكات ومعالجتها وبالسرعة المطلوبة.
القرارات الاخيرة للمحكمة الاتحادية شكّلت وستكون للمستقبل “قوة ردع ” لصّد التجاوزات التي تُقدِم عليها (بإرادة الفساد او بالخطأ غير المقصود) سلطة مجلس النواب، والتي هي بالحقيقة سلطة احزاب ،والسلطة التنفيذية ، والتي هي ايضاً مرآة لسلطة الاحزاب.
عمل المحكمة الاتحادية اليوم ليس فقط تصحيحا للمسار السياسي وانما ايضاً بداية لبناء قضاء نزيه غير مُسيّس وغير مُرتش. وادعو قضاة المحكمة الاتحاديّة لممارسة دورهم المعنوي، بإعتبارهم ” قضاة القضاء”، على مراقبة أداء القضاء ازاء دعاوي الابتزاز والرشوة، واعتبار مثل هذه الدعاوي، المرفوعة ضَد موظف دولة او نائب، ذات طابع سياسي وسيادي وتمسّ مصلحة الدولة والشعب، وتخالف القوانين والدستور.
أملنا في المحكمة ان تكون عينا راصدة للمخالفات القانونية في التعيينات ،والتي تخالف مبدأ تكافؤ الفرص (وهو مبدأ دستوري واساس لمبدأ المساواة امام القانون)، وأحياناً تعيينات تخالف بنودا قانونية منصوصا عليها في القانون العام او في قانون خاص بالوظيفة .
المحكمة الاتحادية العليا، بقراراتها الاخيرة، تُعيد ثقة الشعب بالدولة وتُعيد مكانة الدولة، وتحمي ديمقراطية النظام السياسي وتنظفّه من ديدان الفوضى والمحسوبية والانتهازية واستغلال السلطة .
سلطة القضاء هي سلطة غير سياسية ومستقّلة، خلاف السلطة التشريعة، والتي هي سلطة الاحزاب، والسلطة التنفيذية، والتي هي المرآة العاكسة لسلطة الاحزاب، و لذلك نصّت اغلب دساتير الدول على ان يكون رئيس المحكمة الاتحادية العليا او رئيس مجلس القضاء، هو مَنْ يتولى رئاسة الجمهورية عند شغور او فراغ المنصب، وليس مثل ما نصَّ عليه دستورنا الاتحادي في المادة ٧٥ ( انظر في ذلك مقالنا الموسوم؛ المحكمةالاتحادية وضرورة تصحيح النص الدستوري الخاص بفصل السلطات، في ٢٠٢٢/٢/١٦ ).
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل
زر الذهاب إلى الأعلى