غدي صالح – الحوارنيوز خاص
نشأت المدارس المجانية مع قدوم الإرساليات الأجنبية التابعة للكنائس تحديدا. وبدأت بإنشاء المباني وتحويلها إلى أماكن للتعليم، ونظراً لعدم قدرة الدولة على إنشاء مدارس بالمستوى المطلوب قررت دفع مبلغ معين عن كل تلميذ.
هذا كان في بدايات القرن الماضي وما قبل، لكن أن يستمر طوال هذه الفترة فإن ذلك مدعاة تساؤل منطقي.
هي المحاصصة الطائفية التي تسحب من موازنة الدولة مبالغ خيالية، فيما خدمات بعضها وهمي وغير دقيق.
يشير التربوي خضر نجدي إلى أنه “مع تطور التعليم الرسمي، خفّ الإعتماد على هذه الإرساليات. إلاّ أن هذه الحالة لم تدم وخاصةً مع بداية الحرب الأهلية التي أجهزت على التعليم الرسمي بشكل خاص، ما أعاد للمدارس الخاصة المجانية ونصف المجانية دورها.
وأوضح نجدي، أنه مع نشوء المجلس الإسلامي الشيعي من جهة ومدارس المقاصد التابعة للطائفة السنية من جهة أخرى، استكمل التحاصص الطائفي في ملف المدارس المجانية، فغدت كل طائفة تأخذ قسماً من الأموال المخصصة التي تدفعها الدولة لهذه المدارس.
إضافة الى ذلك، هناك وزارتان مكلفتان بدفع أجرة التعليم لهذه المدارس، وهما وزارة الشؤون الإجتماعية ووزارة التربية، وغالبا ما كان يدفع على التلميذ مرتين نظرا لغياب الرقابة أو تغييبها.
ويقول نجدي في هذا السياق، إن المبلغ المدفوع من قبل كلا الوزارتين أصبح يتدنى مع مرور الزمن، وبذلك فإن المدارس هذه تأخذ المبلغ المدفوع من قبل الدولة وتلزم أولياء الأمور والأهالي بدفع نسبة موازية خلافا للقانون، وكما نعلم فمثل هذه المشاريع لا تخلو مهما كانت من الفساد. والسؤال هو كيف؟ والجواب هو ببساطة يمكن لأصحاب هذه المدارس من تحقيق أرباح طائلة وذلك من خلال فتح عدّة فروع لها، بالإضافة إلى تقاضي الأقساط المخصصة للمدارس المجانية من كافة الفروع واستخدامها لاعتبارات سياسية،ما يشكل مشكلة سياسية واجتماعية خطيرة، أو من خلال تسجيل خدمات المنامة (داخلي) وهو أمر غير متوفر في غالبية المدارس التي تقدم لوائحها على هذا الأساس.وبذلك، تحولت المدارس المجانية من مدارس تهدف لمساعدات الطبقة الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود إلى مؤسسات تجارية لها إعتباراتها الطائفية والسياسية.
ووفقاً لـ”الدوليّة للمعلومات”، بلغ عدد هذه المدارس 530 مدرسة، أي نسبة 34% من المدارس الخاصة، تضم 312 ألف تلميذ، أي نسبة 45% من التلامذة، و27 ألف معلّم وموظف، أي نسبة 47%، علماً أنّ أكثرية 64% من المدارس مسيحيّة.
واستناداً إلى النشرة الإحصائيّة الصادرة عن المركز التربوي للبحوث والإنماء عن العام الدراسي 2019-2020، بلغ عدد المدارس 2796 مدرسة تضمّ 1.033.812 تلميذاً. ويجدر الذكر أنّ المدارس الخاصة “المجانيّة” هي مدارس يقتصر فيها التعليم على المرحلة الإبتدائيّة وتتقاضى من الأهالي مساهمة لا تزيد عن 150% من قيمة الحدّ الأدنى للأجور أي حوالي مليون ليرة، وكذلك تساهم الدولة بنسبة 150% من قيمة الحدّ الأدنى للأجور عن كل تلميذ. وبلغ عدد المدارس الخاصّة “المجانيّة” التابعة للطوائف، تبعاً لـ”الدوليّة”، 153 مدرسة أيّ نسبة 43% من المدارس الخاصّة “المجانيّة”، تضمّ 59,009 تلاميذ أي نسبة 44.2% من التلامذة في هذه المدارس، وبلغ عدد الموظفين 3595 موظفاً أي بنسبة 48.1% من إجمالي العاملين. والعدد الأكبر من المدارس والتلامذة هو لدى الطائفة المارونيّة: 68 مدرسة تضمّ 21665 طالباً. ويصل عدد المدارس الخاصّة غير المجانيّة التابعة للطوائف إلى 377 مدرسة، أي بنسبة 31.1% من المدارس الخاصّة غير المجانيّة، وتضم 252889 تلميذاً، أي بنسبة 45% من التلامذة و24074 موظفاً أي بنسبة 47% من الموظفين. والعدد الأكبر من هذه المدارس يعود إلى الطائفة المارونيّة ،وبلغ 172 مدرسة أي بنسبة 46% من المدارس الخاصّة التابعة للطوائف تضمّ 124463 تلميذاً، أي بنسبة 50% من التلامذة.
إنّ المدرسة المجانية التي نشأت بهدف سد حاجات مؤقتة لم تكن وزارة التربية قادرة على تلبيتها في حينه، تحولت مع الوقت إلى مصدر ثراء للكثيرين، ومن بينهم مسؤولون في الدولة. أما الكسب المادي فيأتي، من عدم دفع الرواتب الكاملة للمعلمين (8 أشهر أو 9 أشهر على الأكثر) وعدم إدخالهم في صندوق التعويضات، التلاعب بلوائح التلامذة التي تُقبض على أساسها المنحة بالتواطؤ مع موظفي مصلحة التعليم الخاص (ويقصد الجهاز الرسمي للتوجيه والمراقبة الذي يدقق في عدد المستفيدين من المنحة)، وذلك لتغطية هذا التلاعب وغياب الشروط التربوية والصحية والتجهيزات في معظم هذه المدارس.
أما إنتاجية التعليم فتعكسها دراسات الطلاب في الجامعات؛ «إذ لا يصل من تلامذة المدارس المجانية إلى المرحلة الجامعية سوى نسبة شبه معدومة بسبب تدني مستوى التعليم».
أما اللافت، فالتداول بشأن صفقات لبيع رخص المدارس لمؤسسات ومتمولين تتجاوز مئات آلاف الدولارات لمنحة مدرسة واحدة، وكل رخصة مرتبطة بموقعها الجغرافي. ويتندر أصحاب المدارس المجانية على ما جرى من صفقات بينهم وبين جهاز الرقابة للتلاعب بالعدد والاستفادة من المنحة، فضلاً عن التزوير المتمثل بنقل أسماء بعض تلامذة الروضة إلى المرحلة الابتدائية. ومع ذلك، لم تقفل، أي مدرسة مجانية مرتكبة رغم التقارير التي تثبت ارتكاباتها.
زر الذهاب إلى الأعلى