المجلس الشيعي إلى أين بعد “صدمة هيئة التبليغ”؟(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
كان العلامة الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عائدا من بلدة مارون الراس الأربعاء الماضي حيث قدم واجب التعزية بوفاة النائب السابق حسن علوية، عندما بلغه عبر الهاتف الجوّال بيان هيئة التبليغ الديني في المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، موقعا باسم مدير عام التبليغ الديني الشيخ عبد الحليم شرارة، والذي يسمي 15 رجل دين من الطائفة الشيعية بينهم الداعية المعروف الشيخ ياسر عودة ،ويحسم البيان بأنهم “غير مؤهلين للقيام بالإرشاد والتوجيه الديني والتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، إما للإنحراف العقائدي أو للإنحراف السلوكي أو للجهل بالمعارف الدينية وادعاء الانتماء للحوزة العلمية.”
وينذر البيان المشايخ المعنيين بخلع زيّهم الديني ويطلب إلى المحاكم الجعفرية عدم الأخذ بالأوراق الصادرة عنهم ويعتبر أن “لا قيمة شرعية لها وغير صالحة للإثبات وغير قابلة للاعتماد عليها لدى المحاكم الشرعية الجعفرية وغيرها من الدوائر ذات العلاقة” .
دُهش وصُدم العلامة الخطيب بهذا البيان، حيث يُفترض أنه رئيس هيئة التبليغ الديني في المجلس الشيعي الأعلى باعتباره رأسا لهذا المجلس،فكيف لا يكون له علم من قريب أو بعيد بمضمونه.ثم أن مثل هذا البيان في مثل هذه الظروف سيحدث ضجة في غير محلها وزمانها في وقت يسعى جاهدا لإصلاح ذات البين على كل الصعد الوطنية.
على الفور إتصل العلامة الخطيب بالمسؤول الإعلامي في المجلس الشيعي محمد رزق ونصّ عليه بيان الرد الذي صدر ووزع على الفور على وسائل الإعلام، وجاء فيه “ان البيان الصادر عن هيئة التبليغ الديني لا يعبّر عن المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى ولم يطّلع عليه رئيس الهيئة العليا للتبليغ الديني نائب رئيس المجلس سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب بغض النظر عن مضمونه ، واعتبار كأنه لم يصدر. وينبغي التذكير بعدم نشر اي بيان باسم المجلس الشيعي ما لم يكن موقعا من رئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى حصرا”.
يؤكد الدكتور غازي قانصوه مستشار رئاسة المجلس الشيعي ،والذي كان في السيارة إلى جانب نائب رئيس المجلس ،أن العلامة الخطيب لم يتلق أي إتصال من أحد بعدما اطلع على بيان هيئة التبليغ وأنه بادر على الفور إلى الرد مستغربا بشدة مثل هذا البيان.
في هذا الوقت كانت بعض وسائل الإعلام على تنوعها وتعددها المتلفز والمسموع والمكتوب ،قد وجدت فرصة ثمينة للاصطياد في الماء العكر ،وراحت تتابع الموضوع عن كثب وتجري اللقاءات والمقابلات،وتعطي القضية بعدا سياسيا،من دون حتى أن تشير إلى بيان الرد الذي وزعه المجلس الشيعي وتبرأ فيه من بيان هيئة التبليغ ،حتى أن البعض راح يفبرك الأخبار عن اتصال أجرته المراجع السياسية الشيعية بالعلامة الخطيب وطلبت منه التراجع عن بيان الهيئة .
مضت ثلاثة أيام على القضية ولم تكل أو تمل بعض وسائل الإعلام المحلية والخارجية عن إثارة هذا الموضوع ،والبناء على تطوراته ،وسال الكثير من الحبر في تحليل ما حصل،مع العلم أن موقف العلامة الخطيب لقي ارتياحا كبيرا في الأوساط الشيعية كافة،لا سيما في حركة أمل وحزب الله والعلامة السيد علي فضل الله ،على الأقل لأن الطائفة ومرجعياتها في هذه المرحلة الدقيقة في غنى عن إثارة أي قضية تتعلق بأوضاعها،وتكون محل استغلال لدى أطراف عدة داخل الطائفة وخارجها.
إلا أن ماحصل في رأي الأوساط الشيعية العاقلة،لا يجب المرور عليه مرور الكرام ،بل التوقف بجرأة أمام واقع المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى . فالواضح أن ثمة خللا يشوب بنيته ،ويتطلب الوقوف عنده ومعالجته بالسرعة اللازمة،كي لا يتكرر ما حصل.
فمنذ فترة يحاول العلامة الخطيب بفكره المعتدل أن ينهض بالمجلس ويؤكد حضوره في هذه المرحلة الدقيقة ،عبر نشاط حثيث قام به في الأشهر الماضية،من دون أن يخلق حساسيات داخل الطائفة،منفتحا على الجميع ،مادا يده إلى الطوائف الأخرى.
وتحذر هذه الأوساط من طموحات داخل المجلس الشيعي لا علاقة لها بالسياسة بقدر ما لها اتصال بالأدوار.وتعتبر هذه الأوساط أن الطموحات مشروعة ،لكنها يفترض أن تراعي دقة الظروف في هذه المرحلة الحساسة من حياة الطائفة الشيعية ودورها ،وكذلك حياة البلد بشكل عام.
فالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى هو وديعة وأمانة الإمام المغيب السيد موسى الصدر ،وقد لعب خلفاؤه من بعده أدوارا مشهودا لها في الإعتدال الوطني والروحي ،سواء الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين والإمام الشيخ عبد الأمير قبلان واليوم العلامة الشيخ علي الخطيب،وكلهم تناولوا الأوضاع السياسية من زاوية وطنية ،إذ من الوهم الاعتقاد بأن مهمة المجلس محصورة بالشؤون الدينية والروحية .فمهمة المجلس تتخطى هذا الدور إلى الهموم الوطنية العامة،باعتبار أن لا فصل في الإسلام بين الدين والدولة،ومن الطبيعي أن تكون قيادة المجلس على صلة وثيقة بالمرجعيات السياسية للطائفة للتشاور والتحاور في هذه الهموم.إلا أن المجلس كان له دائما موقف مستقل لطالما عبرت عنه هذه القيادة ،وكان له رأي في كل المناسبات الخاصة والعامة.
ومن هنا تبرز أهمية النهوض بالمجلس والتي يعمل عليها العلامة الخطيب ،لكن هذا الأمر يتطلب أيضا إعادة النظر في عدد من الأمور الملحة على صعيد بنية المجلس ،ومن الطبيعي أن يكون للمرجعيات السياسية والنخب المختلفة في الطائفة دورها في هذا المجال ،وهو ما تنص عليه أنظمة المجلس ،لا سيما في مجال إختيار القيادة الصالحة واستكمال الهيكلية التنظيمية،قبل أن تتكرر “صدمة هيئة التبليغ”.