حروبسياسةمحليات لبنانية

الليطاني الحاضر في جولات الصراع مع العدو: ربط الأهداف العسكرية بأطماع اقتصادية(غسان بيضون)

 

كتب غسان بيضون* – الحوارنيوز خاص

أطماع اسرائيل بمياه الليطاني وثروة لبنان المائية قديمة تعود إلى زمن السلطنة العثمانية وتأسيس الحركة الصهيونية وأيام الاستعمار البريطاني. وقد استمرّ التعبير عن هذه الأطماع خلال محاولات البحث عن صيغة تضمن السلام للمنطقة التي تعددت، وعلى اختلاف صيغها، شكّلت الأبعاد الاقتصادية فيها محوراً أساسياً ، مرة تحت عنوان توحيد المستويات الاقتصادية لدول المنطقة باعتباره مدخلاً يشجع على انخراطها في عملية السلام التي لطالما كان فيها لبنان بموقع رقم صعب تشكّل بنتيجة قوى المقاومة بمختلف مكوناتها وأشكالها وصولاً إلى انخراط لبنان في محور الممانعة، وتحقيقه إنجازات تاريخية، خلال اجتياح العام ١٩٨٢ الذي تلا “عملية الليطاني” عام ١٩٧٨؛

لقد كان لنهر الليطاني حضور دائم في جميع جولات الصراع مع العدو كما في جولات المحادثات التمهيدية للسلام، ومنها تلك التي باشرها الاتحاد الأوروبي أواخر التسعينات وكانت تعبيراً عن تكامل ما بين الدورين الأوروبي والأميركي، وكان لميغل أنخل موراتينوس جولة شملت لبنان وبحث خلالها عملية السلام تحت عنوان “الانسحاب الكامل مقابل الأمن الكامل”، وكان ذلك على شفير انهيار المفاوضات بين سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني وحكومة نتنياهو نفسه المصمم على التهام ما تبقى من أراضي الضفة وغزة وأضاف إليها طموحه تحقيق حلم اسرائيل الكبرى، في تصعيد مفاجىء بعد إطلاق عدوانه الأخير المستمر تحت عنوان  الخطر الوجودي إلى تغيير خارطة الشرق الأوسط التي تفتح شهية بلاد العم سام وغيرها ليس فقط على تكريس سيطرتها على موارد  وثروات المنطقة وبلدان الخليج إلى فتح مجالات واسعة للاستثمارات فيها تحت عنوان التنمية.

 

ربط الأهداف العسكرية بأطماع اقتصادية: الليطاني نموذجاً

 

لقد استهدف العدو مؤخراً وللمرة الثانية منشآت تابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني. وقد شمل هذا الاستهداف العبارات وأقنية تحويل المياه الى المناطق الزراعية، وكذلك شمل الطرق المؤدية إلى محطات الضخ الرئيسية لتعطيل استثمار مشروع ري القاسمية وقطع إمدادات المياه عن الأراضي الزراعية بمساحة ٦٠٠٠ هكتار من البساتين والأراضي الزراعية، ويشكل ذلك تهديداً للأمن الغذائي للبنان المحاصر؛

ولفهم هذا الاستهداف لا بد من ربطه بتمسك العدو باستمرار احتلاله أراضي مزارع شبعا وغيرها التي أنشأ عليها مواقعاً عسكرية استراتيجية، وفي نفس الوقت مساحات سياحية للتزلج تستغل ارتفاعات المنطقة وثلوجها وغناها بالمياه، التي يشكل نقصها خطراً على قدرة الكيان على تحقيق نموه وقدرته على الاستمرار، كل ذلك برغم صدور القرار ١٧٠١ الذي يشترط الانسحاب من هذه البقعة باعتبارها لبنانية، ويغفل العالم عن هذا الموجب الاسرائيلي من القرار ويقتصر تركيزه على انسحاب قوى المقاومة إلى شمالي الليطاني.

 

ولفهم  خلفية ومخاطر هذا الاستهداف يجب التذكير بأن نهر الليطاني وينابيع المياه التي ترفده هو من أهم مصادر المياه في جنوب لبنان، وبالدور الاقتصادي الحيوي لهذا النهر. ليس فقط لناحية تعزيز صمود الجنوبيين في أرضهم وقراهم من خلال مشاريع الري التي تم تنفيذها أو التي هي قيد الاستكمال في إطار مشروع منسوب ال ٨٠٠ متر المفترض أن ينتهي إلى تأمين مياه الشفة والري لعدد مهم من القرى الجنوبية والبقاعية والأهالي، ويساهم في ازدهار وتطوير الزراعة وتوسيع مساحاتها بما يشكله ذلك من تعزيز للموارد الاقتصاديةُ التي تتعدى منافعها النطاق المحلي لتشمل الاقتصاد اللبناني ككل ويساهم في تأمين الاكتفاء وتعزيز الأمن الغذائي للبنان، وذلك من خلال توفير كميات من الإنتاج الزراعي للاستهلاك الداخلي وللتصدير أيضاً بما يدعم ميزان المدفوعات .

 

إن أهمية نهر الليطاني لا تقتصر على البعد الجغرافي العسكري الذي لطالما أقلق الكيان ودعاه لإطلاق أسم “عمليه الليطاني ” على اجتياح ١٩٧٨ ؛

يتميز نهر الليطاني بأنه نهر وطني ينبع من لبنان ويصب ضمن حدوده ولا تستطيع اسرائيل الدخول إليه من خلال تعريف القانون الدولي للنهر  الدولي الذي يشمل بين منبعه ومصبه عدة دول؛

منذ عقود والعدو يحاول إيجاد سبيل يصطنع له منه شراكة في مياه الليطاني وروافده من خلال السعي إلى خلق حق مزعوم يبرر استفادة “شعوب المنطقة” من هذه المياه، أو من خلال محاولة تطوير مفهوم الحوض المائي الدولي ليشمل حوض الليطاني الأراضي المحتلة.

يربط المؤرخ د. عصام خليفة بين حروب اسرائيل على لبنان وسعيها إلى تهجير أكبر عدد ممكن من السكان لتبرير المطالبة بحصة من مياه لبنان أو وضع يدها على مياه الليطاني. وأشير في هذا المجال إلى فقرة وردت في تقرير لديوان المحاسبة صدر خال العام ١٩٦٨ حول أوضاع المصلحة الوطنية لنهر الليطاني وفيها “أن  المصرف الأوروبي كان يدفع باتجاه اقتصار أنشطة هذه المصلحة على تعزيز أنشطة الكهرباء على حساب مشاريع الري”.

اسرائيل كيان عدواني توسعي، يربط حدوده بقدراته العسكرية، متخصص بالتدمير من أجل التدمير وزعزعة استقرار الجوار، قام على ارتكاب المجازر ودب الرعب في قلوب الآمنين ويحلم ببناء مزيد من المستوطنات التي يستحيل أن تتحول إلى وطن طبيعي. وقد تأكد عجز المنظمات الأممية عن ردع العدوان وانكشف الوجه الحقيقي للدول الكبرى الصامتة المتواطئة!

*المدير العام السابق للإستثمار في وزارة الطاقة.خبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى