اللقاء النيابي في دار الفتوى: بيان مبتور معد سلفاً.. والحريرية الأكثر حضوراً (حكمت عبيد)
حكمت عبيد – الحوارنيوز – خاص
لم يكن الحضور السياسي للحريرية يحتاج الى مثل هذا اللقاء النيابي ليتأكد حجم الحضور السياسي للحريرية كتيار ،قبل أن يتأكد حضور تيار المستقبل كحزب.
وعلى عكس المبتغى، انتهى اللقاء الى تكريس الإختلاف والتنوع بين مجموع النواب السنّة في البرلمان اللبناني، وهو الأمر الطبيعي، إسوة في سائر المكونات السياسية اللبنانية.
لقد لبى الحضور دعوة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان احتراماً لمقامه الروحي – الوطني، وبعضهم لبى الدعوة خشية “فيتو” المملكة العربية السعودية صاحبة الرغبة بعقد هذا اللقاء تحت عنوان توحيد الصف السنّي بقيادة دار الفتوى، بعد أن أخفقت الإدارة السياسية في المملكة، المعنية بالملف اللبناني، بتلزيم هذا الأمر للثنائي سمير جعجع وفؤاد السنيورة، وما نتج عن ذلك من خسائر كبيرة في الندوة البرلمانية وفي الشارع السني الذي انتصر للحريرية.
لا أحد من اللبنانيين، بمن فيهم من يختلف مع “المملكة” في رؤيتها السياسية للداخل اللبناني ولمستقبل المنطقة، لا يحفظ لها دورها التاريخي بنصرة لبنان والوقوف الى جانبه في أحلك الظروف، لكن تسجيل بعض الملاحظات انما يأتي من الحرص على الدور القومي للمملكة فوق كل اصطفاف محوري صغير، وبعيداً عن الوحل اللبناني المذهبي.
وليس أنبل من كلام الملك فهد بن عبد العزيز في اجتماع النواب الذي عقد في مدينة الطائف بتاريخ 30/9/1980 وألقاها نيابة عنه وزير خارجية المملكة آنذاك الأمير سعود الفيصل والتي قال فيها:
“… كما أن للحرب عدتها فإن للسلم عدته.
عدة الحرب الشك، وعدة السلم الثقة
عدة الحرب التنابذ، وعدة السلم التعاون
عدة الحرب البغضاء، وعدة السلم المحبة
عدة الحرب التخريب، وعدة السلم التعمير”.
لقد جاء بيان اللقاء النيابي المعد سلفاً دون أن يطلع عليه السادة النواب، بعض العبارات التي استوقفت عددا كبيرا من اللبنانيين ومن ابناء الطائفة السنية بالتحديد.
الملاحظات:
- الحديث عن “تصحيح ِمَسَارِ العَلاقَاتِ مَعَ الإخوَةِ العرب”، هو مبدأ سليم ويجب أن يعمم ،فلا يجوز لدار الفتوى أن تميز بين عربي وعربي! فمن المعروف أن استقرار لبنان بعد اقرار وثيقة الوفاق الوطني، كان بفعل المظلة السعودية – السورية وأن الخلل في علاقات البلدين العربيين الشقيقين تسبب، بلا أدنى شك، بخلل كبير في الاستقرار اللبناني.
- “تجديد التَّمَسُّكِ بِمَا نَصَّ عليه اتِّفَاقُ الطَّائف ، بِالنِّسبَةِ إلى هُوِيَّةِ لبنانَ العَرَبِيَّة، وَلَلأُسُسِ التي تَقومُ عليها الوَحدَةُ الوَطَنِيَّةُ بَينَ عَائلاتِهِ الرُّوحِيَّةِ جميعاً”. عبارة مبتورة إذ يجب أن يؤكد اللقاء على التمسك بكافة مندرجات اتفاق الطائف دون استثناء كما بدا في البيان نصاً وروحاً. فلماذا محاباة حزب القوات اللبنانية الذي تمنى على من صاغه، عدم ذكر اتفاق الطائف بكليته لجهة الغاء الطائفية السياسة واقرار قانون انتخاب وطني الخ..؟
- الا تستدعي “المُحافَظَةُ على سِيَادَةِ لبنانَ وَوَحدَتِهِ وَحُرِّيَّاتِه ، وعلى حُسنِ عَلاقَاتِه ، خُصوصاً مَعَ الأُسرَةِ العَرَبِيَّةِ التي يَنتَمِي إليها . والعملُ مَعَ زُملائهِمُ النُّوابِ الآخَرِين مِن كُلِّ الطَّوَائف ، ومِن كلِّ المَنَاطِق، لِرَدِّ الأَذَى عَنْ أيِّ عُضوٍ مِنْ أعضاءِ هذه الأُسرَةِ العَرَبِيَّة ، وعدمُ التَّدَخُّلِ فِي شُؤونِها الدَّاخِلِيَّة” كما جاء في البيان، الدعوةلوقف التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية؟
- إن”التَّأكِيدُ على أنَّ عَدُوَّ لبنانَ كانَ وَما يَزَالُ هُوَ العَدُوَّ الإسرائيلِيّ، الذي يُوَاصِلُ احْتِلالَ أَجزَاءٍ مِنَ الأَرَاضِي اللبنانِيَّة” ، كان يستلزم التأكيد على حق لبنان بإسترجاع وتحرير الأراضي المحتلة وفقاً لما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة لجهة حفظ أي شعب احتلت أرضه بالمقاومة. لا يمكن لصاحب السماحة المفتي دريان أن يغفل عن “ثلاثة ملايين متر مربع في مزارع شبعا” مملوكة من أوقاف الطائفة السنيّة. وهذه المساحة هي عبارة عن قطعة الأرض المسماة ب “مشهد الطير الابراهيمي” نسبة الى نبي الله ابراهيم عليه السلام”، وتحتوي الأرض “على مسجد قديم وأشجار مثمرة، وهذا الوقف ملكيته ثابتة للأوقاف الاسلامية بموجب وثيقة الوقف الشرعية الصادرة عن المحكمة الشرعية في الثلاثين من شهر تشرين الثاني عام 1944، اي قبل ان تستنبت المؤتمرات الدولية أو تزرع اسرائيل في أرضنا العربية في فلسطين” كما جاء في بيان مفتي الجمهوية الشيخ محمد رشيد قباني قي 6/5/2000.
إن ما جاء في ختام بيان دَارَ الفَتوَى ، “التي تَعتَبِرُ نَفسَها دَاراً وَطَنِيَّةً لِلبنانيينَ جميعاً ، إذْ تَعمَلُ على جَمْعِ مُمَثِّلِي المُسلِمِينَ السُنَّةِ فِي المَجلِسِ النِّيَابِيِّ على كلمةٍ وَطَنِيَّةٍ جَامعهٍ”، من تحرِص “على أَنْ يِتَحَقَّقَ ذَلكَ في إطارِ وَحدَةِ الكَلِمَةِ اللبنانِيَّة ، التي تُعبِّرُ عَنْ هُوِيَّةِ لبنانَ وَرِسالتِه، والتي تَلتَقِي حَولَهَا الأُسْرَةُ اللبنَانِيَّةُ الوَاحِدَةُ بِجَمِيعِ مُكوِّنَاتِها”، هو ما كان يجب أن يعكسه البيان في كامل مندرجاته!
لقد اطلع بعض النواب على مضمون البيان الذي أعد بالتنسيق مع السفير وليد بخاري، ومنهم النائب أشرف ريفي الذي كان على تنسيق دائم مع جعجع والسنيورة بهذا الخصوص، وهو ما أفقد اللقاء بريقه وأجهض مضمونه الوطني وتقدم بالتالي مضمونه الإقليمي!