طلال الامام -السويد – الحوارنيوز خاص
نعتقد أن من المفهوم تماماً ان يستحوذ اللقاء الثلاثي الذي جرى منذ يومين في موسكو بين وزارء الدفاع في كل من سورية وروسيا وتركيا، إضافة الى مسؤولين امنيين من البلدان الثلاثة،على اهتمام واسع.
جاء هذا اللقاء الثلاثي تتويجاً لتسريبات صحفية منذ فترة عن جهود تبذلها روسيا للقاءات بين سورية وتركيا على مستويات مختلفة، تنتهي بعقد لقاء يجمع الرئيسين السوري بشار الاسد والتركي اردوغان برعاية الرئيس الروسي بوتين .
المعلوم ان اللقاءات الأمنية والعسكرية بين سورية وتركيا لم تتوقف رغم الهوة في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين على امتداد الحرب على سورية ،اي منذ عام 2011.
تشير بعض التقارير انه سيعقب هذا اللقاء العسكري لقاء بين وزراء الخارجية، ثم يتوج بلقاء قمة بين الرؤساء السوري ، الروسي والتركي ، ان سارت الامور كما يجب.
يبدو أن أحد ابرز أسباب الاهتمام الواسع وردات الفعل الايجابية والسلبية على اللقاء العسكري والامني الأخير، تعود الى حجم المشاكل والخلافات بين سورية وتركيا والى تضارب اجندات مختلفة في المنطقة والعالم.
المعروف ان تركيا ومنذ بدء الازمة السورية لعبت، ومازالت، دورا سلبياً كبيرا من حيث فتح حدودها امام ارهابيين من كل اصقاع العالم، وتسهيل دخولهم الى سورية ،تقديم دعم عسكري ولوجستي واسع لاطراف المعارضة السورية المرتبطة بالاجندة التركية، احتلال اراضي سورية تحت حجج مختلفة، سرقة الثروات النفطية والقمح السوريين، سرقة الكثير من المعامل والاثار، قطع المياه عن مناطق واسعة في الشمال السوري . هذا عدا الحملة الاعلامية الواسعة التي تشنها وسائل الاعلام التركية وغيرها ضد سورية والتجييش الديني /الطائفي.
بكلمة ان هذا الحمل الثقيل والخلافات لابد وان يلقي بظلاله على عملية اي تواصل بين البلدين .من جهة ثانية لايجوز ان يغيب عن البال ان تركيا عضو في حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة الامريكية التي تحتل ايضا اراض سورية وتسرق النفط السوري وتمارس حصارا يخالف جميع القوانين والشرائع الدولية.
لقد قدمت هذه الصورة العامة لتوضيح حجم التباينات بين البلدين التي تلعب، اضافة الى عوامل اخرى ، دورا في تسريع العملية التي بدأت او بطئها.لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تهرول تركيا لاعادة العلاقات الطبيعية مع سورية بعد كل ماجرى؟
نعتقد ان لذلك اسبابا داخلية واقليمية وعالمية. تركيا مقدمة على انتخابات قريبة والمسألة السورية بجميع تفرعاتها تلعب دورا في انجاح هذا الطرف او ذاك.اقليمياً قادت تركيا على امتداد الازمة السورية اجندة “أخونجية”. كلنا يعرف ان في بدايات الازمة عقدت اجتماعات في تركيا لممثلي الاخوان المسلمين في عدد من البلدان العربية من اجل تسهيل وصولها للسلطة في تلك البلدان . المسألة الاخرى التي تقلق الداخل التركي ايضاً وجود ملايين اللاجئين السوريين في تركيا الذين اصبحوا عبئا عليها وعلى اقتصادها ،وفشلت محاولات استغلال هذه الورقة في علاقاتها الاوروبية خصوصاً .ثم هناك مسألة الاكراد . اخيرا تحاول تركيا اردوغان لعب دور اقليمي وعالمي ولذلك هي تلعب على اكثر من حبل : مع الناتو، مع روسيا، ،الموقف من الحرب في اوكرانيا ، ازمة الطاقة والغاز المتفاقمة.
من جهة أخرى يبدو ان السوريين ليسوا مستعجلين في امرهم ولديهم مطالب واضحة كما تتناقل وسائل الاعلام: انهاء الاحتلال التركي التام لجميع الاراضي السورية ، وقف اي دعم للمعارضة السورية التي تدعمها باشكال مختلفة، والبدء بالعودة الطوعية للاجئين السوريين، مع التاكيد على ان الازمة في سورية مسألة داخلية يحلها السوريون في ما بينهم عبر الحوار ،وبدء الحل السياسي دون اي تدخل خارجي تحت اي مسمى جاء ، اضافة الى رفع الحصار الظالم المفروض على السوريين.
لروسيا ايضا مصلحة في رعاية ودفع اللقاءات بين سورية وتركيا على جميع المستويات ، للوصول الى حل شامل. ان حل الازمة السورية من وجهة نظرها يدخل ضمن الصراع العالمي القائم في اوكرانيا وغيرها والذي يشير الى سير عملية ولادة عالم جديد متعدد الاقطاب.
لذلك كله تمثل هذه اللقاءات بداية مرحلة جديدة للمنطقة والعالم عموماً.لكن هذه العميلة ستواجه صعوبات جمة وعراقيل من اطراف لها مصلحة في استمرار النزيف ومعاناة السوريين وتكدس ثروات بسببه. وهذه الاطراف موجودة في تركيا، سورية ،اوروبا كما في الولايات المتحدة.
الملفت هو تصريح الخارجية الامريكية الذي ابدت فيه امتعاضها وانزعاجها من هذا اللقاء وعدم الاعتراف بشرعيته …اضافة الى ردود الفعل الباردة من قبل الاتحاد الاوروبي الذي يسير وفق الاجندة الامريكية.
اعتقد ان ردات الفعل السلبية هذه متوقعة كونها تمثل بشكل من الاشكال فشل الاجندة التي كانت ترمي الى اسقاط الدولة السورية وتقسيمها طائفيا، كما فعلوا ويفعلون في دول الجوار …انهزم الارهاب وبقيت الدولة وجيشها موحدين .
نقول ذلك دون تجاهل الوضع المأسوي المعيشي والحياتي الذي يمر به السوريون بفعل الحصار واستشراء الفساد وتراجع دورالدولة الرعائي، لذلك فإن الحل السياسي مطلوب اليوم اكثر من اي يوم مضى .
البيانات الرسمية التي صدرت حتى الان من المجتمعين اكدت على الاجواء الايجابية التي سادت اللقاءات وانه تم بحث ثلاث مسائل: تسوية الازمة السورية ، مسألة اللاجئين ومواجهة المنظمات الارهابية /المتطرفة .كما شددوا على وحدة الاراضي السورية وعلى استمرار المباحثات والتواصل. نعتقد ان هذا اللقاء بداية جيدة في طريق طويل مليء بالمطبات والصعوبات بسبب عمر تدهور العلاقات السورية التركية ووجود اجندات مختلفة بين الأطراف، ودعونا نقول انعدام الثقة أو الهوة الواسعة بفعل تراكمات ماضية.
ربما ستكشف الايام المقبلة ان كان هذا الاجتماع الثلاثي هو التقاء /تقاطع مصالح فقط، ام بداية تطبيع العلاقات بين البلدين ..والفرق واسع بين المفهومين.والأمل ان تساهم هذه اللقاءات في التخفيف ووقف معاناة السوريين من أجل سورية تليق بالسوريين وتضحياتهم. سورية موحدة، علمانية وعادلة في توزيع ثرواتها.