اللبنانيون في العدوان..واختلاف المواقف(حيدر شومان)
بقلم حيدر شومان – الحوارنيوز
ويبقى الخلاف اللبناني واضح المعالم في سيرورة الحركة السياسية وتشعباتها المتعددة التي لا تنتهي. وعندما يضرب البلد -أي بلد- كارثة من الكوارث فإن الأساس لدى الجميع، في هذه الحالة، يجب أن يكون التلاقي والوحدة والسير بشكل متوحد لبلوغ المرام واجتياز الكوارث التي يعيشها أهله.
ولا ننكر احتضان بعض اللبنانيين الذين يعيشون في ما يسمى بالمناطق الآمنة لبعضهم الآخر في ظاهرة يعتد بها وتشكل قبساً من نور وسط جحافل الظلام الذي يجتاح لبنان، إلا أن البعض يعتبر هذا الاندماج فيما لو طال سيكون طريقاً لفتنة قادمة وحرب أهلية بين الأطراف اللبنانية التي تتأثر بسرعة كبيرة بأي مؤثرات خارجية أو داخلية، خصوصاً عندما تتغاير الخصوصيات السياسية والطائفية والمناطقية وغيرها، وتجد لها من بعض السياسيين محاكاة لها، وينبري التعصب المختلف والمتنوع الذي يلقي بظلاله على كل ما يمكن أن يكون طريقاً للاتحاد.
إن الموقف من القضية الفلسطينية ليس واحداً في النسيج اللبناني الفسيفسائي، فمن داعم لها دون حدود، وآخر من خلال المعنويات فقط، وثالث حيادي لا ناقة له فيها ولا جمل في أي ظرف تعيش هذه القضية. وهذا ما كان له طريقه من واقعة طوفان الأقصى والمواقف اللبنانية تجاهه، وكذلك الأمر في ما يسمى بجبهة الإسناد لدعم غزة عسكرياً وإن بطريقة محدودة روعي فيها قواعد الاشتباك التي دامت حوالي السنة.
الاختلاف في الآراء والمواقف تجاه ما يجري في غزة وسبل التعامل مع واقعها لا يجب أن يصب في الاتجاهات الخيانية وما شابه من اتهامات سلبية ضد من رفض الإسناد والحرب. لكن التعامل مع العدوان الواقع على لبنان يجب أن يراعى فيها سقوط الشهداء والمصابين، والتدمير والتهجير والقسوة التي يتعامل فيها العدو مع فئة معينة من اللبنانيين. فلا شماتة في الكوارث ولا التعاطي مع الواقع القاسي من خلال التشفي وإبداء الآراء التي تتلاقى بشكل مريب مع ما تقوله سياسات العدو وإعلامه وعسكريوه. كذلك يتعامل بعض سياسيي الواقع المنحرف، كما لو أن الحزب قد انهزم وتلاشى وآن الأوان للحصاد والتعاطي مع الواقع الجديد، وكأنه مرحلة أخرى يجب السعي لنيل جوائز الترضية والانتقام من سني الضعف والاستكانة التي عاشوها تحت نير السلاح كما يحلو لهم توصيف المرحلة السابقة.
الحرب الأهلية لن تندلع في لبنان لاعتبارات كثيرة تتعلق باحتضان اللبنانيين لبعضهم في هذا العدوان القاسي، كما أن التربة المهيئة للحرب ليست متوافرة أبداً وليس لأحد له قوة نافذة على الأرض الرغبة في إيقادها. كذلك فإن حياة اللبنانيين الصعبة واقتصادهم المزري وتلاقيهم في الأعم الأغلب على واقع البؤس والحرمان يجعل من الحرب غاية يهرب من بشاعتها الجميع.
وسواء أوافق بعض اللبنانيين على سياسة الحزب أو لم يوافق، وخصوصاً في هذا العدوان ومندرجاته، فإن الحزب لم ينتهِ، وإن حدثت له هزات معقدة ومؤثرة على أكثر من صعيد، لكن الأيام الماضية، في هجماته المتصاعدة من خلال الصواريخ والمسيرات، ومن خلال المديات المتقدمة التي تصل إليها في عمق أراضي فلسطين المحتلة أثبتت أنه لما يزل وقد استعاد عافيته بشكل لا يصدق، والأيام القادمة ستثبت أكثر من ذلك. كما أن بيئته لم تضمحل كما يتمنى البعض، وهؤلاء يشكلون حالة اجتماعية سياسية اقتصادية لها الأثر الكبير على الأرض، ولها تأثيرها النافذ في تكوين الحالة السياسية المتعددة على مختلف الجوانب.
ليس من الغرابة أن نجد بعضاً من السياسيين ينظّرون لمرحلة قادمة تسود فيها طائفة على أخرى وأحزاب على أخرى، متسلحين بالضعف الذي يتجلى في النزوح القسري للبنانيين مثلهم، وهذا ما برز في تموز 2006 عندما سلك هؤلاء وأمثالهم السبيل عينه والتشفي والشماته، لكن في نهاية المطاف تبدل الأمر وهزم العدو وعاد النازحون إلى قراهم سالمين غانمين، وهذا ما نراه سيتحقق في القريب العاجل إن شاء الله مهما عظم المصاب وكبرت التضحيات وضاقت الأرض بما رحبت.