دراسةرأي

الكيان الصهيوني وقبائل بني إسرائيل:تاريخ الهزائم..وعود على بدء (فرح موسى)

 

أ.د.فرح موسى* – الحوارنيوز

 

لا شك في أن الخطوب الدينية والسياسية،وصراعات الأمم الحادّة،تستدعي من الباحث دائمًا التدبّر في مآلات ما تعايشه منطقتنا من أحداث ومخاطر بسبب وجود الكيان الصهيوني في فلسطين.

فالتاريخ خير معين للسياسة في ما تحتاج إليه من تأصيل للمواقف،وتظهير للحقائق؛فإذا علمنا ما كان لبني إسرائيل في تاريخهم الديني والسياسي،فقد يسهل علينااستيعاب حقيقة نشوء هذا الكيان، الذي ما كان لأسياده أن ينجحوا في استقطاب اليهود للمجيء إلى فلسطين،لولا أنهم أحدثوا خرقًا في الوعي الغربي،وقبله في التاريخ الديني لشعوب التبست عليها حقائق الدين والدنيا؛فقالوا لبني إسرائيل:إن فلسطين هي أرض الميعاد،وغير ذلك مما تلاعبوا به في الدين والسياسة لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين في الوقت الذي كان فيه العالم الغربي كله يحارب الدين ويُقصيه عن حياته العامة،متهمًا إياه بالتخلف!ثم تراه يصدّق مزاعم التأسيس للدولة اليهودية!!فهذه إثارة تاريخية وسياسية قلما التفت إليها الباحثون في ظروف ومعطيات نشوء هذا الكيان،وطريقة أسياده في استثمار الدين واليهودية لبناء دولته في فلسطين.وقد ألمح”المسيري”،في موسوعته عن اليهودية والصهيونية إلى هذا المعنى،مبيّنًاحقيقة الدور الوظيفي لهذا الكيان في خدمة الغرب ومشاريعه الاستعمارية.!؟

إن خلاصة الموقف لا بد أن تبدأ من تاريخ بني إسرائيل،الذين تعاقبت عليهم الذلة والمسكنة في تاريخهم؛فألجأتهم الحروب والغزوات الأشورية والبابلية والرومانية إلى الجزيرة العربية على أمل أن تكون لهم النبوة الحاكية بما تهوى أنفسهم؛كما قال تعالى:”لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلًا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون…”!وهكذا ،نرى أنهم دخلوا بلاد العرب والحجاز لتكون لهم آمال النبوة وسطوة الدين والدنيا!،فاستقروا في مدينة”يثرب”،المدينة التي راقت لهم بوحي من دينهم وتاريخهم أن نبيًا سيبعث في بلاد العرب،وقد أجمع أهل التأريخ على أن قبائل اليهود كانوا كلهم من العنصر الإسرائيلي،كما ذكر المستشرق”ولفنسون”.وقال أخرون،ومنهم”فيليب حتي”،إن يهود يثرب كانوا بالأكثر من القبائل العربية التي تهودّت مع كون نواة هذه الجماعة إسرائيلية صرفة!!

وهكذا،فإن الذي يعنينا من هذا التأسيس التاريخي الموجز،هو معرفة أن هذا الكيان الصهيوني أريد له أن يستجمع كل قبائل بني إسرائيل،عرقًا وولاءً. فإذا عرفنا ما جرى لهذه القبائل في تاريخ الأمم والشعوب،وخصوصًا تاريخ الإسلام،فإن ذلك من شأنه أن يجعلنا على بصيرة من أمرنا في تعاملنا مع هذا الكيان في ظل ما توفر له من كرّة في الدين والدنيا؛ولعل الأمر يصبح أكثر وضوحًا فيما لو علمنا أن النبوءة القرآنية في سورة الإسراء جاءت لتؤكد على هزيمة بني إسرائيل،لا بما هم يهود فحسب،وإنما بما يكون لهم من انتماء ديني وسياسي!فهم انتظروا طويلًا في مدينة”يثرب”،ليكونوا من أتباع النبي الجديد،ولكن عربية النبي ص منعتهم من ذلك، وجعلتهم في حرب دائمة معه،لا لشيء إلا لأن النبي لم يأت من بني إسرائيل؛وكانت نتيجة الصراع معهم أنهم هزموا وطردوا من المدينة المنورة إلى بلاد الشام،إلا قليلًا منهم ممن أسلم،أو استقر على دينه صلحًا وسلامًا!ومما ينبغي معرفته أيضاً،أن هذا الكيان الصهيوني بما استجمعه من قبائل لقيطة،سبق للقرآن الكريم أن قدّم بحقه أوصافًا تليق به،دينًا وسياسة وسلوكًا،إذ لم يبق له شأن من شؤونه إلا وعرّفنا القرآن به،ويكفينا تدبّرًا في ما عرض له القرآن عن تشتتهم في الأرض وتقلبهم في الفساد!فتاريخ بني إسرائيل هو تاريخ الهزائم،وقد أنبأنا القرآن بحقيقة مآلاتهم،وبكل ما سيلحق بهم من هزائم بلحاظ كونهم من بني إسرائيل لا بما هم يهود،كما سلف القول منا.فالقرآن الكريم يتوجه بالخطاب إلى بني إسرائيل دون اليهود،وهذا ما ينبغي على أهل الدين والسياسة لحاظه جيدًا لتستقيم لهم حقيقة الدلالة القرآنية أن اليهودية ليست ديانة توراتية،بل هي منهج حزبي كشف عنه القرآن بما خصّه به من أوصاف اللعن والغضب،وغير ذلك مما يمنع عنه الديانة والحق،وهذا كله إنما كان لليهود بسبب ما ادّعوه لأنفسهم من مواصفات وخصائص ما أنزل الله بها من سلطان!!

وهذا ما نرى أن النبوءة القرآنية تؤكد عليه في نسبتها الفساد إلى بني إسرائيل باعتبار حقيقة الانتماء،لتفيدنا في دلالتها أن الهزيمة ستلحق بالفساد الإسرائيلي كله،سواء كان عرقًا،أو انتماءًا،عل قاعدة قوله تعالى:”ومن يتولهم منكم فإنه منهم…”،وليس بعيدًا عن هذا الانتماء أن يُتهم أهل التطبيع العربي بالولاء لبني إسرائيل لما يعنيه هذا التطبيع في مؤدياته من التزام مع الكيان الصهيوني في كل ما يراه هذا الكيان لنفسه في الدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وفي كل ميادين الحياة!!فقولنا:إن تاريخ الهزيمة هو عود على بدء،إنما يعني حقيقة ما ينتظر هذا الكيان من الهزيمة المحققة،لكونه وعدًا إلهيًا تعضده سنن التاريخ،وتجارب بني إسرائيل أنفسهم،فهم سبق لهم أن رأوا الهزيمة الكبرى في خيبر،وقد تحقق لهم ما أرادوا في كرّتهم الجديدة بسبب سيادة الخرافة الدينية على الشعوب،وتماهي هذه الشعوب مع بني إسرائيل بالانتماء،خلافًا لأمر الله تعالى بأن لا يتخذ أهل الإيمان اليهود والنصارى أولياء،وهذا ما خالفه الناس تحت عناوين دينية شتى،كان آخرها التطبيع العربي والصهيونية بكل منتجاتها العربية والإسلامية والمسيحية،بعد أن جعل من هذه الصهيونية بوقًا لتكريس حقيقة الانتماء لبني إسرائيل للإفساد في الأرض!!فأن يسمى الكيان الصهيوني نفسه بإسرائيل،فهذا مما اعتادت عليه الحزبية اليهودية المقيتة،إذ هي دائمًا  تضفي على نفسها إيجابية العناوين والمسميات لإيهام الشعوب في الغرب والشرق وفي كل جهات الأرض بأنها امتداد للدين والتاريخ الحق !وأنها دائمًا مأخوذة بالعناية الإليهة!وهذا ما لم يدم لأسياد هذا الكيان،إذ لم تعد تنطلي على أحد خديعة الحزبية اليهودية بعد أن فضحت بالقتل والإجرام في فلسطين ولبنان،وقد بان لأهل الأرض قاطبة كم بلغت عنصرية هذا الكيان فيما عبر به عن نفسه بارتكاب المجازر والإبادة الجماعية!وهذا كله منبئ بتحقق الهزيمة لهذا الكيان على وقع المقاومة في فلسطين ولبنان، وحيث استقر مجد العرب والمسلمين،كما قال تعالى:”فاصبر إن وعد الله حق فلا يستخفنك الذين لا يوقنون”.والسلام.

 * رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى